يقوم علماء النفس باستخدام مصطلح التعلّم بشكل واسع وشامل عن معناه في اللغة العاميّة، فهو لا يتوقف على التعلم المدرسي أو التعلم المحتاج لدراسة وجهد وتدريب بصورة متواصلة أو تحصيل المعلومات وحدها بدون غيرها من أشكال وأنواع المكتسبات، بل يشمل جميع ما يقوم الفرد باكتسابه من معارف ومعاني وأفكار واتجاهات وعواطف ومهارات حركية أو غير حركية سواء تم هذا الاكتساب بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.
إنّ الإنسان لا يعتبر كالحيوان، فهو يحتاج إلى التعلم بشكل دائم، حيث أنّ الحيوان يولد مزود بالفطرة بأنماط سلوكية محددة تسمى بغرائز الحيوان؛ مثل غريزة بناء العش وادخار الطعام، هذا إلى جانب غريزة الأمومة والغريزة الجنسية وغريزة الصيد، وفي تكفيها لإشباع حاجاتها وتكيفها مع البيئة الضيقة الثابتة بشكل نسبي، أمّا الإنسان فتبدأ عنده عملية التعلّم منذ مرحلة الرِّضاعة وتطول مدة حضانته ورعايته حتى يتعلّم ويكتسب أشكال وأنواع متعددة من السلوك تمكنه من التكيف مع بيئته المتغيرة.
علم النفس التربوي ونظريات التعلم:
دوافع التربية والتعلم:
إنّ الإنسان يتعلم إذا كان يمتلك رغبة في ذلك، كذلك إذا كان يمتلك القدرة على التعلم ويوجد فرص لذلك، غير أنّ القدرة والفرصة التي تتاح لا تكفيان إذا لم يكن لدى الشخص دافع إلى التعلم، فلا يوجد تعلّم دون امتلاك دافع، مثلاً كلاب بافلوف وقردة كوهلر وقطط ثورندايك التي تم إجراء عليها التجارب بدأت نشاطها التعليمي تحت تأثير دافع الجوع الذي ساعدها على الاستجابة والتعلّم.
لهذا أصرّ العلماء على أنّ عملية التعلم تقوم على الدوافع التربوية الأساسية، حيث تأكدوا كذلك من التجارب المتعددة التي تم إجرائها على الحيوانات؛ كلما زادت قوة الدافع كلما زادت فعالية التعلّم، أما الدوافع التي تقوم بتحفيز الإنسان على التعلم فهي متعددة، فقد تكون دوافع ترتبط بموضوع التعلم مثل أن يرغب الطفل في تعلّم القراءة؛ لأنّها تساعد على تشويقه، أيضاً قد تكون دوافع غير ذاتية إلا أنها تتعلق بظروف التعلم مباشرة؛ مثل رغبة المتعلم في التقدير الاجتماعي أو احترام نفسه أو التعبير عنها.
نظريات التعلم:
يجب أن يكون لعملية التعلم في علم النفس نظريات، ذلك بسبب اهتمامه بدراسة الحفظ والتذكر واكتساب المهارات الحركية واللفظية والتعلم في صلته بالمتعلم والمعلم، يقوم العلماء بتصنيف هذه النظريات إلى النظريات الترابطية وهي التي تؤكد على أنّ عملية التعلّم تساعد في تقوية الروابط بين مثيرات واستجابات ومن أهمها نظرية التعلم الشرطي.
نظرية التعلم الشرطي: هي ارتباط مثير طبيعي بمثير صناعي جديد، يتشكل عنهما قدرة على إثارة السلوك، من أهم الأمثلة التي توضح ذلك، تجارب العالم الروسي بافلوف الذي اهتم بدراسة عملية الهضم عند مجموعة من الكلاب، قام بافلوف بتسجيل بعض الملاحظات التي جعلته فيما بعد يغير اتجاهه في البحث ويقوم بإجراء تجارب أخرى جديدة، هذه التجارب الجديدة أحدثت تغير كبير في علم النفس الحديث وخصوصاً في عملية التعلم وتفسيرها.
- قانون تكرار المرة الواحدة: كان يظن بافلوف أنّ التكرار يقوي الرابط بين المثير والاستجابة، كما أنّه يقوم بتسهيل حدوثها، فالقيام بعمل ما يقوم بتسهيل أدائه في المرات اللاحقة، فكان بافلوف في تجاربه الأولى يكرر ربط المثير الصناعي بالمثير الطبيعي عدة مرات قد تصل إلى 100، غير أنه قام بالملاحظة في تجارب أخرى أنّ الاستجابة الشرطية قد تحدث من فعل المثير الشرطي مرة واحدة، بل لقد استطاع واطسن أن يجعل الولد يخاف الأرنب من مرة واحدة.
- قانون التدعيم: يمكن تعريف التدعيم بأنّه تقوية العلاقة بين المثير الشرطي والاستجابة، الذي يقوم بتقوية ردود الفعل؛ فهو أن يقترن المثير الطبيعي بالشرطي، حيث أكدّ بافلوف أن الاستجابة الشرطية لا تتشكل إلّا بعد أن يقترن المثير الطبيعي بالشرطي بشكل مباشر مرات عديدة ولأيام، فالتدعيم في هذه الحالة يتكون عن إشباع دافع الجوع عند الحيوان فكان تقديم الطعام بمثابة مكافأته ونوع من الثواب لقاء استجابته.
- قانون الانطفاء: يمكن تلخيص هذا القانون من خلال أنّ المثير الشرطي إذا تم تكرار ظهوره بدون وجود أي مثيرات طبيعية من وقت لآخر، أي بدون تدعيم الاستجابة بشكل تدريجي فهي تختفي وتنطفئ، فكلب بافلوف الذي تعود أن يسيل لعابه عند سماعه الجرس لا يعود يسيل لعابه إن تكرر سماعه الجرس مرات كثيرة دون أن يتلو ذلك تقديم الطعام إليه، فقد يعتبر انطفاء الاستجابة في حالات أخرى نوع من التعلم التربوي، أي تعلم الكف عن القيام بعمل ما لا يقترن بتدعيم.