علم النفس بين أرسطو وابن سينا

اقرأ في هذا المقال


يمكن أن نفهم عندما نقارن بين علم النفس عند أرسطو وابن سينا أنّه بالرغم من أنّ ابن سينا كان يتبع أرسطو في العديد من المسائل التي تختص بعلم النفس، إلّا أنّه يوجد بعض نقاط الاختلاف المهمة بين هذين الفيلسوفين، تحول دون اعتباره مقلد محض لأرسطو أو أنّه لا يعدو أن يكون مجرد شارح لفلسفته.

علم النفس بين أرسطو وابن سينا:

لم يقتصر الاختلاف بين علم النفس عند أرسطو طاليس و ابن سينا على ما تمّ ذكره، إذ أنّ ابن سينا قام بإدخال العديد من الأمور في علم النفس و وركّز عليها ودرسها؛ كما ذُكر بعضها في كتب أرسطو طاليس؛ كأبحاثه في الحواس و خصائص الإدراك التي درسها بشكل تفصيلي كلاً علي حدة في كتاب (الشفاء)، بينما لم يقم أرسطو طاليس فيما كتبه في علم النفس بالإشارة إلى هذه المسائل إلا بشكل عابر وبسيط.

علاقة النفس بالجسم:

من بين أهم المواضيع التي اختلف فيها أرسطو طاليس عن ابن سينا بشكل كبير؛ هو كيف ترتبط النفس بالجسد، كان أرسطو طاليس يؤكد أنّ النفس والجسم هما من أنواع تركيب المواد بالصور، لذلك فلا يمكن أن نعتبر أنّ النفس والجسم مستقلين بعضهما، بل اعتبرهما أرسطو وجهين لكائن واحد، من هنا يتضح أنّ انفصال النفس عن الجسم أحد الأمور غير الممكنة، ذلك لأنّ كل صورة تؤلف مع المادة القريبة منها شيء واحد.
تتضمن المادة جوانب القوة وثمثل الصورة الحيثية الفعلية لذلك الشيء، لهذا كان أرسطو طاليس لا يرى أي معني في البحث الخاص بكيفية اتحاد النفس مع الجسم، كما أنّه لا معنى للكلام في الشمع والرسم المنقوش فوقه، كذلك لا كلام في مادة شيء معين و ما تعود إليه هذه المادة.
أما النفس عند ابن سينا فقد أكّد أنّها لا تعتبر جوهر الجسم ، إلّا أنّها ترتبط به وتؤثر به وتتاثر به، العلاقة بين النفس والجسم عند ابن سينا تشبه الرابط بين القبطان والسفينة، فهو في الوقت الذي يكون فيه مستقل عنها يعد كمال لها؛ من حيث أنّه ملزم بإدارتها وقيادتها وصيانتها، هكذا فإن النفس وإن كان حدوثها و ظهورها يتوقفان؛ ففي نظر ابن سينا على استعداد خاص موجود في مادة خاصة تسمّى الجسم، إلّا أنّها في بقائها ليست مرتبطة به.
أيّد ابن سينا تعريف أرسطو طاليس للنفس الذي يقول أنّ النفس تعتبر كمال الجسم الأول، هذا التعريف لم يبيّن ماهية النفس، لكنّه إضافة النفس إلى الجسم، مهما كان توضيح الكمال وفهمه فإنّنا لا نعرف النفس بشكل كلي بل نحن نعرفها من حيث كونها نفساً، إلا أنّ اسم النفس لا يطلق عليها من حيث الجوهر والذات، بل من حيث كونها تقوم بتدبير شؤون الجسم وتقاس به.

الحالات النفسية:

كان أرسطو يرى أنّ الغضب والحزن والفرح والخوف وغيرها، تكون من حالات الكائن الذي يركّب من النفس والجسم، فهي حالات لا يمكن أن تُنسب إلى النفس ولا اعتبار نسبتها إلى الجسم، لذلك عندما تهر هذه الحالات لا بد من الأخذ بعين الاعتبار حالات جسمية خاصة تظهر مواكبة لها وإيرادها عند تعريف تلك الكيفية.
مثلاً عندما نعرّف حالة الغضب لا يمكن أن نكتفي بالقول بان الغضب حالة تظهر في النفس استعداداً للهجوم والانتقام، بل تجدر الإشارة إلى التغيير الذي يقترن بهذه الحالة، لذلك فإذا تم هور حالات جسمية تُقترن مع بعض العواطف، كالغضب و الخوف، فإنّ تلك العواطف تظهر كذلك، حتى إذا كانت العلل الروحية ضعيفة جداً أو غير موجودة.
كان أرسطو طاليس يرى أنّ ظهور أي حالة في النفس يستلزم اشتراك النفس والجسم، بحيث أنه عندما تظظهر إحدى الحالات النفسية يجب ملاحظة الحالة التي تظهر على الجسم في الوقت نفسه، كما أنّ أرسطو طاليس يُنسب نسبة الحرف والصنائع إلى النفس ويرى أنّ هذه الأفعال وأمثالها يجب أن تنسب إلى المجموعة التي تتركب منها النفس والجسم.
أما بالنسبة إلى ابن سينا فكان يرى الغضب و الحزن والحرف و الصناعات كالحياكة و البناء؛ من الأفعال النفسية الخالصة، كما أنّها لا تشترك بين النفس و الجسم، أي أنّها تخص النفس، ثم تقترن بالتبعية بالانفعالات الجسمية، يعتقد ابن سينا أنّه بالرغم من ارتباط النفس بالجسم عند حصول حالات مثل الحزن و الفرح، تحدث تغييرات في أحوال المزاج، كحدوث اختلالات في عملية الهضم بسبب الحزن، و تقوي هذه العملية على أثر الفرح.
يجب ألّا نتصور أنّ هذا الارتباط يعني اشتراك النفس والجسم في هذه الحالات على نحو متساوي وبدون أصالة او تقدم لأحدهما على الآخ، بل إنّ هذه الحالات والأفعال ترتبط بالنفس، لذلك فإنّ حصول هذه الحالات في النفس لا يقترن بآثار جسمية، من جهة أخرى بإمكان العقل ان يحول دون الحالات النفسية الخاصة، كالحزن و الفرح، لكنّه لا يستطيع أن يمنع حدوث الحالات الجسمية الخالصة؛ كاللذة والألم.

النفس صورة للجسم:

اعتبر أرسطو طاليس النفس جوهر الجسد، لكنها جوهر ذو أنواع متعددة، فلابد أن نعرف النفس من أي أنواع الجوهر هي عند أرسطو، إنّ قسم من أقسام الجوهر هو المادة فهي تمتلك قوة تقبّل الأشياء، قسم آخر من الجوهر هو الصورة التي تعطي للمادة فعليتها وتجعلها شيئ معين، أما القسم الثالث من الجوهر هو تركيب يجمع بين المادة والصورة، هذا ما يطلق عليه أرسطو اسم الجوهر الأول، كما يرى أنّه أجدر بحمل اسم الجوهر وهذا الجوهر هو الجسم نفسه.
أكّد ابن سينا أنّ معنى النفس لا يمكن أن يطبّق على معنى الصورة، أكّد العديد من الباحثين أنّ هذا الأمر من أهم الأمور التي أضافها ابن سينا في النفس، فهذا الرأي هو الذي أكّد ثبوت تجرد النفس وخلودها، فعندها يعتبر ابن سينا النفس في حالة ما، فانه يقوم إلى بتحديد قوله وتقييده، حتى لا يختلط ذلك بالصورة المنطبعة في المادة و الملازمة لها، كما شرح في بعض مؤلفاته الفرق بين الكمال والصورة بشكل مفصل.

أمثلة الارتباط بين النفس والجسم:

يختلف مفهوم الكمال عن الصورة من رأي ابن سينا،، فقد أكّد أنّ النفس والجسم علاقة مترابطة كعلاقة العامل بأدوات العمل الخاصة به أو علاقة الملك بالبلد الذي يحكمه، لم تكن النفس كمال للجسم بالترتيب نفسه الذي يكون فيه الملاح كمالاً للسفينة، يقول ابن سينا في الإشارات؛ “انظر إلى حكمة الخالق الذي خلق الأصول في بداية الخلق، ثم خلق من تلك الأصول الأمزجة المختلفة”.


شارك المقالة: