علم النفس والفلسفة

اقرأ في هذا المقال


نظراً لوجود علاقة قوية بين الفلسفة وعلم النفس كما ذُكر، فيرى العديد من العلماء أنه من مصلحة علم النفس وباقي العلوم بشكل عام أن يقبلوا بالتأمل الفلسفي وعدم رفضه أبداً؛ ذلك لأنّ الفصل بين الفلسفة وعلم النفس سيجعل من علم النفس علم غير مفيد كالجسد بلا روح، بالتالي سيفقد علم النفس قيمته ورقيَّه اللذين يستمدها من قيمة وكرامة الإنسان الذي تحكمه عدّة متغيرات وظروف بيئية مختلفة ومعقدة، إضافة إلى أنّ الكثير من النظريات النفسية وُلدت من رحم الفلسفة وبالأخص نظريات الشخصية.

علم النفس والفلسفة:

يعد علم النفس أحد العلوم التي لا تزال وفيّة لأمّة الفلسفة، فكان علم النفس من فروع العلوم الأخيرة التي قامت بالانفصال عن الفلسفة بعد أن طوّر علم النفس بعض الوسائل والأدوات العلمية لنفسه كباقي العلوم، ذلك نتج عن العلاقة الاستثنائية بين علم النفس والفلسفة، حيث وُجد أن بينهما تشابه كبير في الكثير من المسائل والموضوعات التي يهتمان بها، مثل الباعث الأول للفلسفة وهي الدهشة وقضية نظرية المعرفة. وجدت الطبيبة النفسية باربرا إنجلر أنّ نظريات الشخصية يجب النظر إليها كجانب فلسفي وعلمي وأدبي، ذلك لإنصاف المدى العريض من الإمكانات والوجود الإنساني.
يوجد اشتراك قوي بين الفلسفة وعلم النفس من خلال محاولتهما أن يدخلا في الإنسان لمعرفة ما بداخله والتعرّف على أسراره، يظهر هذا التشارك عن طريق محاولتهما في الإجابة على سؤال من أنا؟، كذلك ربط الإنسان بمحيطه، فبالنسبة للفلسفة وعلم النفس لا يمكن أن يفصل الإنسان عن البيئة التي تحيط به، كذلك من الصعب فهم أفكاره ومسلكياته بعيداً عن الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، من ناحية أخرى فعلم النفس ما هو إلّا علم مشتق من الفلسفة، فحتى المنادين بأهمية جعل علم النفس علماً قائماً بذاته كانوا من الفلاسفة.
يكاد علم النفس أن يكوِّن الكثير من القضايا الفلسفية التي ظهرت في أصلها عن الباعث النفسي، أي أنّ علم النفس هو الذي قام بإنتاج العديد من النظريات والمذاهب الفلسفية، لذلك أكّد ديفيد هيوم أن علم النفس هو ممثل الفلسفة الحقيقي، كما أنّه يجب أن يكون هو البوَّابة الأساسية للدخول في عالم الفلسفة، كذلك ديكارت الذي قام ببناء فلسفته على عبارة (أنا أفكر إذاً أنا موجود) حيث تناقش هذه العبارة الوعي، من المعروف أن الوعي من أهم الموضوعات التي يهتم بها علم النفس بشكل عام.
إذا كانت الفلسفة تعد علم السعادة كما يرى ديوجانس، فموضوع السعادة من صميم علم النفس وخصوصاً علم النفس الإيجابي، نظراً لتلك الأهمية لعلم النفس والمكانة التي يحتلها بشكل فلسفي وعلميّ ومدى نفعه وإسهاماته للبشرية بشكل عام، فإنَّنا نجد ابن باجة يصفه بأنه أشرف العلوم؛ من هنا تقع الأمانة العظمى على المختصين في هذا العلم بحمايته من الدخلاء عليه والتحذير من أصحاب العلوم الزائفة وغيرها من العلوم الكاذبة التي تستند إلى الإيحاء والوهم بهدف الربح المادي، التي لا يوجد أي أدلة أو دراسات أو بحوث علمية تدعمها أو تؤيدها.
لا يمكن التحدث عن المسائل الخاصة بفلسفة العلوم بدون ذكر الفيلسوف والعالم كارل بوبر الذي يعتبر فيلسوف المنهج العلمي الأول؛ ذلك بسبب إسهاماته الكبيرة في حقل فلسفة العلوم عن طريق رفضه لمنطق التبرير الاستقرائي وإحلال منطق الكشف العلمي الذي يركّز على التفنيد والنقد، والذي يضمن تقدم العلم والمعرفة، كان رأيه فيما يخص علم النفس بأنه يرى أنّ النظريات الإنسانية ومن ضمنها علم النفس ليست دقيقة تماماً، لأنّ أي علم لا تخضع نظرياته للكشف العلمي والتفنيد فإنه يُعد من جملة العلوم الزائفة، كما أن تلك النظريات ما هي إلّا فرضيات تجد ما يؤيدها من تجارب مختلفة.
حصل العالم بوبر على درجة الدكتوراه في مناهج علم النفس الإدراكي، رغم كل ذلك يظل المنهج العلمي الحديث من أفضل الوسائل والأدوات من أجل الوصول إلى المعرفة وتحصيلها، فلا يوجد أكثر ما يُعتمد عليه منه، خصوصاً أنَّنا ما زلنا نفتقد إلى منهج يمكن الاعتماد عليه بشكل مطلق في التوصل إلى الحقائق وإثباتها، رغم ما يدور حول المنهج العلمي الحديث من بعض الإشكالات من تعدد المناهج الناتج بدوره عن اختلاف العلوم وموضوعاتها، إلّا أنّ تلك المناهج قد أسهمت في حل الكثير من المشكلات؛ كلٍّ بحسب موضوعه ودراسته.


شارك المقالة: