علم نفس الشخصية وعلم النفس الإيجابي

اقرأ في هذا المقال


كان جورج جالوب ودونالد كليفتون رائدين في علم النفس الإيجابي تحت شعار العلم ودراسة نقاط القوة، تعتبر منهجية بحثهم الاستقصائية نموذجية وتكشف عن روابط تجريبية مهمة، كما أنّهم يركّزون على نتائج الأعمال الحقيقية على سبيل المثال الربحية والإنتاجية ودوران العملاء ورضا العملاء، كذلك النزعة الإنسانية التي ينطوي عليها اهتمامهم برفاهية الموظف، إضافة لذلك أثبت باحثو جالوب أنّ ممارسات الإدارة هي المحركات الرئيسية لمشاركة الموظفين وأنّ مشاركة الموظف تتوقع مجموعة من نتائج الأعمال الإيجابية والسلبية.

علم النفس الإيجابي:

يعتبر علم النفس الإيجابي واحد من أهم وأقوى فروع علم النفس؛ الذي يهتم بنقاط القوة وسلوكات الشخصية التي تعطي المجال للأفراد من أجل بناء حياة لها معنى وهدف واضح؛ ذلك للانتقال من البقاء على قيد الحياة وصولاً إلى الازدهار، يسعى المنظرون في هذا المجال لتحديد عناصر الحياة الجيدة، لقد اقترحوا كذلك واختبروا ممارسات لتحسين الرّضا عن الحياة والرفاهية، يؤكد علم النفس الإيجابي على المعنى والرضا العميق وليس فقط على السعادة العابرة.
أكّد علم النفس في كثير من الأحيان على أوجه القصور لدى الأفراد مقارنة بإمكانياتهم، يركز هذا النهج الخاص على الإمكانات ولا يستهدف إصلاح المشكلات، لكنه يركز على البحث عن الأشياء التي تجعل الحياة تستحق العيش بدلاً من ذلك، باختصار لا يهتم علم النفس الإيجابي بكيفية التحول على سبيل المثال من -8 إلى -2 ولكن بكيفية تحقيق +2 إلى +8، تم إنشاء هذا التوجه في علم النفس منذ حوالي عشر سنوات وهو مجال سريع التطور، فهو يجري بحث تجريبي قوي في مجالات مثل الرفاهية والتدفق ونقاط القوة الشخصية والحكمة والإبداع والصحة النفسية.

علم نفس الشخصية وعلم النفس الإيجابي:

يركّز علم النفس الإيجابي على الفعالية والأداء عالي المستوى، فمن المهم ملاحظة ثلاثة أشياء حول هذا التركيز؛ أولاً إنّه ليس جديد، حيث تم تأسيس معهد تقييم وأبحاث الشخصية (IPAR) في جامعة كاليفورنيا في بيركلي في عام 1949 بناءً على منحة مؤسّسة روكفلر، لدراسة محددات الكفاءة والفعالية والأداء عالي المستوى، على مر السنين قام الباحثون بتقييم أكثر من 2000 محترف عالي الكفاءة والإبداع، كما نشروا العديد من الأوراق التي تصف نتائجهم، كان أشهر هذه الأوراق هي أوراق عن طبيعة الإبداع.
ثانياً الفعالية عالية المستوى ليست هي نفسها كلمة ازدهار؛ فهو مصطلح رئيسي لعلم النفس الإيجابي، تُظهر بيانات معهد تقييم وأبحاث الشخصية على سبيل المثال بوضوح، أنّ العديد من الأشخاص الموهوبين والمتفوقين إن لم يكن معظمهم تقودهم أمور خاصة؛ أخيراً ليس من الواضح على الإطلاق ما يعنيه الازدهار، إذا كان ذلك يعني القدرة على العيش مع الذات، فمن الواضح أنّه جانب واحد فقط من جوانب الصحة النفسية وهو جانب وثيق الصلة بالنرجسية.
على هذا النحو من المرجح أن تزيد من القدرة على العيش مع الذات على حساب القدرة على العيش مع الآخرين، وهذا بدوره سيقلل من احتمالية النجاح المهني، إذا كان الازدهار يعني تحقيق الذات بمعنى ماسلو، فهو ببساطة خاطئ، تتطلب القيادة موازنة عدد من التوترات المتنافسة؛ على سبيل المثال التركيز على النتائج قصيرة المدى مقابل النتائج طويلة المدى أو التركيز على الأشخاص مقابل متطلبات المهام، ذلك بين العيش مع الذات والعيش مع الآخرين، باستخدام علم نفس الشخصية كخارطة طريق نجادل بأنّ فعالية القيادة تعتمد على القدرة على العيش مع الآخرين أكثر من القدرة على العيش مع الذات.
علاوة على ذلك تعتمد القدرة على العيش مع الآخرين على القدرة التي نطلق عليها الوعي الذاتي الاستراتيجي؛ فهم نقاط القوة والقدرات والقيود الخاصة بالآخرين، مثلاً كان جان ماري ميسييه الرئيس التنفيذي لشركة (Compagnie Generale des Eaux) التي تتخذ من باريس مقراً لها من عام 1996 إلى عام 2001، وصفه أولئك الذين عرفوه بأنّه منغمس في نفسه والثقة بالنفس ومولع بالأضواء، كانت شركته رائدة عالمياً في مجال تحقيق أرباح كبيرة في مرافق المياه والكهرباء، كما واجهت آفاق النمو المطرد طويل الأجل في جميع أنحاء العالم.
لم يشر أي شيء بخصوص بيئتها أو موظفيها أو كفاءاتها الأساسية إلى أي حاجة للتغيير، مع عدم وجود أي خبرة على الإطلاق في عالم الإعلام والترفيه، قام ميسيير بتحويل هذه الشركة إلى مؤسّسة أفلام وموسيقى أطلق عليها اسم (Vivendi) وهو تحول إلى كارثة مالية كاملة.

نظرية الشخصية وعلم النفس الإيجابي:

بدأ علم نفس الشخصية التقليدي مع الطب النفسي الفرنسي والألماني في أواخر القرن التاسع عشر، فهي تمتد من خلال كارل روجرز و إبراهام ماسلو في عام 1950 و1960، يمثلها اليوم العلاج السلوكي المعرفي وعلم النفس الإيجابي، تم الإطلاق على هذا التقليد نظرية داخل النفس؛ لأنها تركز على العمليات داخل الناس؛ يؤكد على اكتشاف الذات ويؤكد أن المشكلة الكبيرة في الحياة هي تعلم العيش مع الذات، الافتراض الأساسي لهذا التقليد هو أنّ كل شخص لديه أسرار خفية يمكن أن تكون نقاط قوة أو قيود، يجب الكشف عن هذه الأسرار واستكشافها حتى يصبح الناس كاملين.
هناك تقليد ثاني وأقل تأثيراً في علم نفس الشخصية يسمى نظرية العلاقات الشخصية؛ بدأت في عام 1908 مع الطبيب النفسي الاسكتلندي العظيم ويليام ماكدوغال الذي لم يتأثر تفكيره بفرويد وامتد عبر (GH Mead) في الثلاثينيات وإيرفينغ جوفمان وثيودور ساربين في الستينيات؛ تمثله اليوم نظرية التحليل الاجتماعي، يركز هذا التقليد على التفاعل الاجتماعي ويفترض أن تعلم العيش مع الآخرين أكثر أهمية من تعلم العيش مع الذات.
إنّ التقاليد السائدة والمهيمنة في نظرية الشخصية، تحدد معرفة الذات من حيث إدراك الأفكار والعواطف ونقاط القوة التي كانت في السابق فاقداً للوعي، يتم التعبير عن هذا في بعض الأحيان بشكل شائع على أنّه الاتصال بمشاعر الفرد ونقاط قوته، هذا التعريف للوعي الذاتي هو حجر الزاوية في العلاج النفسي التقليدي، سيكون من الصعب المبالغة في مدى تأثيره، كما أنّه غير صحيح ويأخذ عملية التنمية الفردية الموجهة في الاتجاه الخاطئ.
مقولة سقراط كانت “اعرف نفسك”، كما أنّه أكد بشكل مشهور أن الحياة غير المختبرة لا تستحق العيش، مع ذلك فإنّ سقراط والإغريق القدماء عنوا شيئاً محدداً جداً من خلال معرفة الذات، لقد كانوا أشخاص عمليين وقاموا بتعريف المعرفة الذاتية من حيث فهم حدود قدرات أداء الفرد؛ أي معرفة نقاط القوة والقصور في مواجهة أمام منافسيه في الأنشطة المختلفة، هذه طريقة معقولة للتفكير في الوعي الذاتي؛ نشير إليه على أنّه وعي ذاتي استراتيجي لأنّه معلومات يمكن استخدامها لتشكيل وتوجيه مهنة الفرد.
هناك نوعان من مكونات الوعي الذاتي الاستراتيجي؛ أولاً فهم محدودية الفرد ونقاط القوة، ثانياً فهم كيفية مقارنتهم مع الآخرين، الجزء الثاني هو ما يميز الوعي الذاتي عن الوعي الذاتي الاستراتيجي، لا يمكن اكتساب الوعي الذاتي الاستراتيجي في الفراغ أو من خلال الاستبطان، يعتمد الوعي الذاتي الاستراتيجي على التغذية الراجعة القائمة على الأداء باستخدام عملية تقييم منهجية وموضوعية.
إذا أراد الناس تحسين ألعاب الجولف الخاصة بهم، فسوف يستشيرون أحد محترفي الجولف الذي يطلب منهم ضرب بعض الكرات، وربما يقوم بتسجيل فيديو لأدائهم، ثم يقدم ملاحظات، إذا كانوا يريدون تحسين لعبة التنس الخاصة بهم، فسوف يفعلون نفس الشيء ولكن ماذا يجب أن يفعلوا إذا كانوا يريدون تحسين حياتهم أو حياتهم المهنية سيحتاجون إلى ملاحظات حول طرقهم المعتادة في التعامل مع الأشخاص الآخرين؛ أي التحركات الشخصية التي يستخدمونها عادةً في جهودهم للتوافق والمضي قدماً.


شارك المقالة: