مبادئ علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يختص موضوع علم النفس بدراسة السلوك الإنساني والإنسان؛ باعتباره الكائن الحي الذي يتصرف في عامل دائم التغري ويستجيب للأشياء والحوادث والأشخاص، فإذا عرفنا من هو الإنسان وعرفنا الإجابة للسؤال عن طبيعة الإنسان، نكون قد عرفنا الطبيعة البشرية وما يتضمن علم النفس؛ إنّ الشخص الواحد هو الوحدة النفسـية وهـو يتعرّف مـع نفسه بصورة متسقة كثيراً أو قليلاً، مع الاعتراف بأن هذا الاتساق يختلف من شخص لآخر.

مبادئ علم النفس:

يعود تاريخ علم النفس والتحليل النفسي بعد الأحداث الفرويدية حتى ينصف آخرين سبقوا فرويد وقاموا بمتابعته، أحد أكبر الأشخاص الذي اهتم في هذا المجال هو ويليام جيمس؛ الذي قام بإصدار في عام 1891 أحد الكتب المؤسسة في هذا المجال، الذي سُمّي بمبادئ علم النفس ويعتبر نقطة الانعطاف بين مئات السنين من دراسة هذا الموضوع والأزمان المقبلة التي سيتحول فيها الأمر من دراسة إلى تطبيق؛ من علم إلى معالجة عيادية، بل حتى ينتقل الاهتمام بشكل واضح من الشعور إلى اللاشعور.
إذا حدثت تلك الثورة على يد فرويد، ففي الحقيقة أنه لا يمكنها أن تتم على الشكل الصحيح بدون الحلقة التي قام بتشكيلها كتاب ويليام جيمس، فهل قام فرويد بقراءة هذا الكتاب وهل تأثر به؟ ما يهمنا هو التوقف عند الجهود التي قام بها جيمس في الكتاب الذي عمل على وضع مواده دون أن يكون قد سبق له أن قدم أية مساهمة في المجال، فأول محاضرة استمع إليها في حياته عن علم النفس، كانت أساس ذلك الكتاب الذي لا يزال يُقرأ حتى الآن.

لحظة انعطافية بين القديم والجديد:

التصقت نظرية علم النفس الإنساني بالنظرية الإجتماعية الفلسفية التي جاء بها جيمس نفسه في كتابه، حيث بدا أنّ تجريبية هذا الفيلسوف إنّما انبثقت من عمق دراسته لنفسية الإنسان على مشارف الأزمنة الجديدة، فالمؤلف يؤكد أنّ دراسته تستند إلى فكرة أن هناك عالم خارجي لم يخلقه الإنسان بنفسه، لكنه يساهم في تطوره وأداته في ذلك وعيه، أو حالات وعيه التي يمكن التعرف عليها، كما يمكنها هي نفسها أن تتعرف على نفسها، بالسبر الصبور والدراسة العيادية.
إنّ الأفكار والمشاعر موجودة في الواقع ولا سيما أنها الحامل الأساسي للوعي والمعرفة، فما أن يقيم علم النفس العلاقة التجريبية بين المشاعر والأفكار من جهة والوظائف التي يتم تحديدها من ناحية أخرى بفعل ما يقوم به عمل الدماغ، لن يمكنّها من الذهاب إلى أبعد من ذلك إلا بوصفها ميتافيزيقية، انطلاقاً من هنا يرى جيمس أن موضوع علم النفس هو الحياة العقلية في كل ظواهرها وحالاتها.
أكد جيمس أنّ الحالات والظواهر ليست سوى كلمتين تشيران إلى علم النفس بكونه يقوم بالعمل على الخبرة الإنسانية بصورة فردية، تفسير ذلك أنّ وظائفية هذا العلم لا تتوقف على أنه مجرد علم، ففي اتجاه ما يجعل منه ممارسة مفيدة في دراسة الإنسان عبر ظواهره وحالاته، من الواضح أن هذا التأكيد يضعنا مباشرة على أعتاب الانتقال من العلم النفسي إلى التحليل النفسي.

تأمل الحياة:

توفي وليم جيمس في 1910 في ذلك الوقت كان فرويد بارزاً بين الناس عن قبله، كان من الفلاسفة الذين عملوا على بناء مذهبهم انطلاقاً من حدسهم ومعضلات التأمل في الحياة، بأكثر ممّا بنوه انطلاقاً من رغبة عقلانية حاسمة في الوصول إلى صياغة المذهب، من هنا كان أغلب الذين كتبوا عنه وفسروا مذهبه رابطينه بتقلبات حياته الروحية والمادية، كانوا ينطلقون في الكتابة عن فلسفته من سيرة حياته؛ تلك الحياة التي بها يمكن تفسير كل شيء في نهاية المطاف.
أمّا الجانب الذي لم يستطع كاتبوا سيرة وليم جيمس تفسيره، هو العلاقة الصدامية بجيمس بهنري جيمس، الذي يعد من أكبر الروائيين عند منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين، فلقد وُضعت حول علاقة الأخوين هنري ووليم دراسات وكتب أرجعت التناحر بينهما إلى رغبة كل منهما في تخطي الآخر، من هنا كان سعي هنري للتعبير عن نفسه في الكتابة الروائية، فيما سعى وليم في دروب الفلسفة تقود خطاه، ممّا لا شك فيه أنّ ذاتية وليم جيمس الطاغية هي التي قادته لابتكار مذهب البراغماتية (التجريبية).

تأثير داروين:

لقد وجد هنري في الرواية متنفساً له ووسيلة توصله إلى التفوق، فورث وليم عن أبيه الميل إلى دروب التفكير البعيدة عن العقيدة القويمة، كذلك اهتمامه بشكل كبير بالقيم الأخلاقية والروحية، لقد تضافر ذلك كله مع شكوك عميقة ساورته لدى قراءته داروين، ممّا جعله يعاني بشكل كبير في مجال رغبته بالتوفيق بين ميله الإيماني الداخلي والفكر العلمي الذي بدا لديه مناهضاً لذلك الميل، هذا كله تمخض لديه وهو في أواسط العشرين من عمره.
ظهرت توفيقية لدارون يمكن تلخيصها على النحو التالي: (إنّ الإرادة البشرية تبقى دائماً حرة وفي الوقت نفسه يحتفظ الإيمان، حتى ولو تجرّد من مضمونه اللاهوتي، فحقوقه الخاصة تعد وسيلة داخلية لا غنى عنها للحفاظ على الحياة)، في الحقيقة أنّ وليم جيمس قد توصّل إلى هذه القناعة، كما حدد له توجهاً فلسفياً قام بصياغته في ما بعد خطوة خطوة بطريقة شديدة التجريبية.
كان وليم في الثلاثين حين بدأ في جامعة هارفارد مهنة تدريسية وأصَّلها طوال عمره، كما أنّه في نفس الوقت قام بتوسيع دائرة اهتماماته الفلسفية لتتضمن دراسته في شتى أنواع العلوم والآداب، إلى أن وصل لعلم النفس الذي درسه بصورة عصامية، الذي سرعان ما جعل منه القاعدة الأساسية لتفكيره الفلسفي، خصوصاً في واحد من أفضل كتبه (إرادة الإيمان)، حيث جعل لظاهرة الإيمان تبريراً سيكولوجياً على حد تعبير الباحث ستانلي غيست.
عاد وليم جيمس ليطوّر علم النفس في كتابه الذي انشهر بشكل كبير (الصور المختلفة للتجارب) عام 1902، حيث قام بدراسة الإيمان الديني من وجهة نظره في الصلاحية السيكولوجية الخاصة به لحياة الإنسان، أي من وجهة نظر ذرائعيته التجريبية، كان ذلك قد بدأ من سؤال وهو (هل التجربة الدينية مفيدة أم لا للبقاء الانساني ولاستمرار الحياة وللخلاص الروحي والاجتماعي)، فكان جوابه أنّها مفيدة وضرورية جداً.
قيل عن وليم جيمس أن فلسفته في جوهرها واسعة؛ إذ أنه يمشي إلى الأمام بإقدام وليس له أي مرشد سوى التجربة، عاش خلال النصف الثاني من عمره حياة بسيطة وهادئة ووضع العديد من الكتب التي جعلته واحداً من أكبر الفلاسفة الأميركيين على الإطلاق، من أبزرها: الذرائعية التي نُشرت في عام 1907 ومثال الحقيقة عام 1909، كذلك كتاب كون تعددي، إضافة إلى الكتب الكثيرة التي نشرت بعد رحيله وتضم مقالاته ومحاضراته ورسائله.


شارك المقالة: