العلاقة بين الوالدين والطفل هي دعامة الحياة الأسرية واللبنة الأساسية للحضارة. يعلمنا الإسلام أن ننمي علاقات إيجابية وصحية وعملية بين الآباء وأبنائهم. جزء من هذه الضرورة هو الموازنة بين حقوق وواجبات كل من الوالدين والأطفال، يقع على عاتق الأطفال واجب دعم والديهم وإطاعة جميع طلباتهم المعقولة، بينما يحتاج الآباء إلى إعطاء أطفالهم مجالًا للنمو وتنمية شخصياتهم الفريدة.
متى لا تجوز طاعة الوالدين في الإسلام
البر بالوالدين هو مفهوم أساسي في الأخلاق الإسلامية، وفي كثير من الآيات والأحاديث ورد ذكر حسن السلوك تجاه الوالدين بجانب عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، النساء 36، وقال الله تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، الإسراء، 23.
يظهر قرب هذه الأوامر أهميتها في التسلسل الهرمي للأولويات الإسلامية، بل إن معصية الوالدين من الكبائر، واستياء الوالدين بغير سبب عادل يهدد علاقة الفرد بالله تعالى.
حدود طاعة الوالدين
عند الإسلام قواعد استثنائية لكل قضية، وطاعة الوالدين مثل معظم القواعد في الإسلام، هناك استثناءات للأمر العام بالطاعة، في كل الأحوال لا يجوز مخالفة الوالدين إلا إذا أمرا بمعصية الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ الله إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ”، صحيح مسلم، لا طاعة لأحد إذا كانت معصية لله تعالى، إن الطاعة للوالدين لا تكون إلا بحسن السير والسلوك.
معيار الطاعة يكون بالمعروف؛ أي ما هو شرعي، وعاقل، وصالح، هذا المبدأ صحيح لأي علاقة، لا يجوز للمسلم أن يطيع أحداً مهما كان علاقته به وأن كانا الوالدين إذا أمراه في إثم على الله تعالى أو خلقه.
ومع ذلك فإن العلاقة الأبوية هي علاقة خاصة، كان للعديد من المسلمين الأوائل آباء غير مسلمين عارضوا اعتناقهم للإسلام أو حتى حاربوا ضدهم، قال الله تعالى لهؤلاء المسلمين أن يطيعوا والديهم غير المسلمين في الأمور المعقولة بأي حال من الأحوال؛ حتى يكونوا شاكرين لهم ومعاملتهم بأخلاق حسنة.
قال الله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”، لقمان، 14، 15.
ويجب على الْإِنسان طاعة والديه فِي غير أثم وإِن كانا غير مسلمين وفاسقين وهذا فيه مصلحة ونفع لهما ولا يوجد ضرر فإِن كان فيه صعوبة وتعذر عَلَيْهِ ذلك من غير مضرة فرض وإِلا فَلا يجب، يجب على الإنسان أن لا يطيع والديه في الأمور الخاطئة.
يجب على الأطفال طاعة والديهم في الأمور التي تفيدهم كليهما، ولكن لا يجوز للآباء أن يأمروا أطفالهم بإيذاء أنفسهم أو الآخرين، مثل العنف أو الإساءة التي لا تطاق، التي تؤدي إلى قطع العلاقة بين الوالدين والطفل.
طاعة الوالدين المسلمين لها حدودها المعقولة، إنه ليس حقًا مطلقًا يمكن للوالدين الاحتفاظ به على أطفالهم، لا تجب طاعة الأبوين لوالديهما في كل أمر يأمران به أو يمنعانه باتفاق العلماء.
حقيقة الأمر هي أن بعض الآباء يتحكمون ويطالبون بشكل مفرط، ويطلق عليهم أحيانًا اسم الأبوة والأمومة، يمكن أن يكونوا قساة ومسيئون لأطفالهم، إن حق الوالدين في الطاعة مبني على افتراض أن الوالدين بحكمتهم وخبرتهم يقصدون ما هو أفضل لأبنائهم، لكن ليس كل الآباء آباء صالحون.
إذا كانت المرأة متزوجة فلا تجب عليها طاعة والدها أو والدتها في الانفصال عن زوجها، ولا في زيارتها، ولا يجوز شيء من هذا القبيل، بل طاعة الزوج تقدم على طاعة والديها، ما لم يأمرها بمعصية الله تعالى، إذا أرادت الأم أن تفصلها عن زوجها فهي آثمة، ولا طاعة لها في ذلك.
قد لا يأمر الآباء أيضًا أطفالهم بالزواج من شخص لا يحبونه، هذا صحيح بالنسبة للرجال كما هو الحال بالنسبة للنساء، ليس لأي من الوالدين أن يطلب من الابن أن يتزوج من شخص لا يريده، وإذا رفض الابن فهو لا يكون عصيانًا، كما لم يكن لأحد أن يطلب من شخص ما أن يأكل ما يكرهه.
وفي النهاية على الأطفال واجب طاعة والديهم في أمور حسنة السلوك، والتفرقة بين أذا كانت مفيدة وليست خاطئة أو ضارة أو غير معقولة، يتحمل الآباء مسؤولية متبادلة للسماح لأطفالهم، بإتاحة الفرصة للنمو والتطور وفقًا لشروطهم الخاصة، طالما أن طريقهم قانوني وجيد، في الظروف المثالية، يجب أن يتوصل الآباء والأطفال إلى اتفاق يلبي احتياجات ورغبات الجميع.