مراحل تطور علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يركّز علم النّفس على سلوكات الكائنات وسلوك الإنسان خصوصاً، من الممكن تعريف علم النفس بأنّه أحد العلوم الذي يركّز على السّلوك وعمليات العقل عند الإنسان، يهدف علم النّفس بصورة عامّة لفهم السّلوك ومحاولة تفسيره وتحديد دوافعه والعوامل التي أدت لظهوره، كما أنه يسعى للتنبؤ به ومعرفة مدلولاته عن طريق فهمه لطبيعة هذا السّلوك، فيصبح من الممكن توقّع زمن حدوثه وشدّته، إضافة إلى دوره المهمّ في ضبط المثيرات المتغيّرة، بهذا يُمكن ضبط السّلوك والتحكّم به وبمقدار شدّته.

تعريف علم النفس ومباحثه:

ظهرت العديد من التعريفات الخاصة بعلم النفس، شمل كل منها أحد الجوانب الإنسانية، فمثلاً عُرِّف علم النفس على أنّه العلم الذي يركّز على دراسة الحالة السوية وغير السوية للعمليات والوظائف العقلية، من الممكن تعريفه أيضاً بأنّه العلم الذي يقوم على دراسة الحياة العقليّة والنفسيّة للإنسان، كان الإجماع الأكبر للعلماء على التعريف الأشمل لعلم النفس بأنّه العلم الذي يدرس السلوك العام للكائن الحي بجميع أشكاله الخارجية الحركية والداخلية العقلية والنفسية.
من أكثر المحاور أهمية هي التي يعمل على البحث بالسلوكات جميعها التي تصدر عن الإنسان والأنشطة الداخلية والعقلية كعمليات التفكير، إضافة إلى الجوانب الشعورية والمؤثرات الانفعالية؛ كالإحساس والحزن والفرح والسعادة والخوف وغيرها.

فوائد علم النفس:

تأتي أهمية علم النفس من حيث أنه يدرس الإنسان كوحدة واحدة من حيث السلوك والمشاعر والعقل، كما أنّه يدرس النفس البشرية بجميع جوانب حياتها الشخصية والمهنية والاجتماعية، من فوائد علم النفسما يلي:

  • يدرس مراحل نمو الإنسان قَبل تكوينه حتى يصل لمرحلة الشيخوخة.
  • يدرس أثر الجماعة على سلوك الفرد، كما يدرس سلوك الفرد وتأثيره على الجماعة.
  • يطبّق مناهج وأساليب علم النفس في جميع المجالات، أيضاً يحل المشاكل التي تربط بالعمل التي تهدف إلى رفع الكفاءة الإنتاجية والصناعية، كما يدرس ظروف العمل وبيئة العمل ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
  • يطبّق الأسس والمناهج النفسية في القوات العسكرية، بهدف رفع كفاءة الجنود وقدرتهم، ذلك عن طريق استخدامه للاختبارات النفسية لاختيار الجنود ووضعهم في الوحدات المتنوعة بما يلائم قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم، كما يطبّق مبادئ التعلم على البرامج التدريبية العسكرية وتعزيز الروح القيادية.
  • الكشف عن الأسس الفسيولوجية والعصبية للسلوكات والتفكير والمشاعر والانفعالات، كذلك الكشف عن العلاقة بين العمليات الفسيولوجية والسلوك.
  • علاج الأفراد من جميع النواحي وخصوصاً الناحية السلوكية والمعرفية، الكشف عن وجود اضطرابات نفسية وجسدية يعاني منها الشخص، مع تقييمها وتحليلها وتفسيرها وعلاجها؛ ثم تصنّف حسب قواعد وأسس الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.
  • مساعدة الفرد حتى يصل لحلول تناسب مشكلاته ومعرفة مهارات متنوعة بهدف مساعدة النفس والآخرين.

مراحل تطور علم النفس:

تم إيجاد علم النّفس خلال العلوم الفلسفيّة؛ حيث حاول الفلاسفة القدماء فهم النّفس الإنسانيّة وما بداخلها، فحاولوا تفسير الأنشطة والتغيرات الفسيولوجيّة التي تظهر على الفرد، إضافة إلى سعيهم لفهم الانفعالات السّلوكيّة والنّفسيّة بجميع أشكالها، مثل الحزن والغضب والفرح وغيرها؛ فالإنسان كان متأكد أنّ هناك قوة خفيّة غير مرئيّة تُحركه وتدفعه وتُوجّهه بدوره إلى الخير أو الشرّ، وُصف علم النّفس في البداية بأنه أحد فروع العلوم الفلسفيّة، إلى أن استقلّ في وقت لاحق ليصبح علماً قائماً بذاته.

فلسفة ما قبل الميلاد:

قام العديد من الفلاسفة في القدم بعلاج النّفس والرّوح على النحو الآتي:

  • فيثاغورس: كان هناك الكثير من الآراء الخاصة بفيثاغورس بما يخص النّفس والروح؛ حيث آمن بمبدأ تناسخ الأرواح أو انتقال الروح البشريّة من إنسان لآخر عندما يموت.
  • سقراط: كان سقراط يرى أنّ الروح الإنسانيّة والنّفس العاقلة تعد أحد أجزاء الروح الإلهيّة، أمّا الجسم فهو يتضمن عناصر العالم الماديّ المحسوس، مثل الماء والنار والتراب والهواء، بما أنّه اعتبر الرّوح جزء من أجزاء الروح الإلهيّة، فقد آمن بأنّها تقع في موقع المُسيطر بصورة دائمة على البدن أو الجزء الماديّ، حيث تمارس قوتها بضبط الغرائز والتحكُّم بالشَّهوات.
  • أرسطو: قام أرسطو بالتفريق بين الجمادات والإنسان، فعدّ الروح الإنسانيّة أو النفس بأنّها مجموعة وظائف حيويّة خاصة بجسم الإنسان، بدون هذه الوظائف يصبح الجسم جُثّة هامدة، فقد رأى أنّ الانفعالات السّلوكيّة والحالات النّفسيّة تأتي من الوظائف والعمليات الجسميّة.
  • أفلاطون: كان أفلاطون يرى أنّ أفكار نفس الإنسان وروحه تؤثر بشكل كبير في تكوين استجاباته وسلوكاته، إلاّ أنّه كان يؤمن أنّ هذه الأفكار تستقل عن الجسم الماديّ للإنسان؛ فهي تخرج منه عند مفارقته الحياة.

عصر الفلسفة الإسلاميّة:

كانت الدراسات الفلسفيّة الإسلاميّة أكثر بروزاً عن طريق العلماء والمفكّرين المسلمين، الذين كان لهم أثر كبير وواضح في الدراسات الغربيّة في عصر النهضة في أوروبا، فقد قام العديد من المفكرين المسلمين بتأليف الكثير من الكتب والمؤلفات في مجالات مختلفة من المعرفة بشكل عامّ، خصوصاً علم النّفس، أهم هؤلاء العلماء ما يأتي:

  • ابن سينا: ركّز ابن سينا على مراحل الإدراك العقلي ومراتبه، كذلك الآلية التي تنقل الصور والخبرات الخارجيّة إلى عقل الفرد وذهنه، كما أنه درس عن الاستجابات السّلوكيّة الانفعاليّة للإنسان، مثل الضحك والبكاء وغيرها، أيضاً درس العلاقة التي تربط الأمراض الجسميّة بالحالة النّفسيّة، فهو ما يُسمّى حالياً بالطب النّفسي والجسمي.
  • أبو نصر الفارابي: ركّز أبو نصر الفارابي على علم النّفس الاجتماعي؛ حيث قام بذكر السِّمات والأنماط الشخصيّة التي يجب أن تكون عند القائد، كما أنّه أشار إلى الأُسس النّفسيّة لتماسك الجماعة والبناء الاجتماعيّ، الذي يُعتبر جوهر دراسات علم النّفس الاجتماعيّ.
  • أبو حامد الغزالي: ركّز الغزالي على الكثير من الموضوعات الخاصة بعلم النّفس؛ كالانفعالات النّفسيّة والسّلوكيّة، مثل الغضب والخوف وغيرها من الانفعالات، كما أنه أشار إلى تأثيرها على سلوك الفرد، أيضاً قام بذكر علاقة الحالة العاطفيّة أو الوجدانيّة من حُبٍّ وكُرهٍ بالسّلوك، إضافة إلى دراسة الدوافع بأنواعها المكتسبة الأوليّة والثانويّة.

عصر النهضة الأوروبية:

بعد أن انتقلت العلوم الإنسانيّة إلى أوروبا والنهضة الأوروبيّة، تم ظهور بعض الدراسات في العديد من العلوم المجتمعيّة والطبيعيّة وعلم النّفس بشكل خاص، من أبرز العلماء الذين اهتموا بعلمَ النّفس بشكل كبير؛ العالمُ والفيلسوف الفرنسي ديكارت، الذي اعتمد في بدايات دراساته في تفسير الظواهر السّلوكيّة على مبدأ الانعكاس؛ هو الاستجابات العضويّة اللاإراديّة التي تهدف إلى الوصول إلى حالة من التكيف مع المثيرات البيئيّة الخارجيّة.
تبيّن لديكارت فيما بعد أنّ هذا المبدأ غير كافي لوحده لتفسير الظواهر النّفسيّة والعمليات العقليّة، مثل التفكير والتذكر والإرادة والعواطف، ثم قام في منهجه بإضافة مبدأ النشاط الروحي وكل ما يصدر عنه من أفعال واستجابات حسيّة وحركيّة.

استقلال علم النّفس في العصر الحديث:

استمرّت الدراسات النّفسيّة وصوبلاً إلى العصر الحديث؛ حيث ظهرت العديد من البوادر الخاصة باستقلال علم النّفس عن العلوم الفلسفيّة بشكل عامّ، إلّا أنّ مؤرّخي علم النّفس أجمعوا على أنّ استقلاله وخروجه إلى العالم بشكله النهائي كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشرعلى يد العالم الألماني فونت؛ حيث أنشأ أول جهاز علمي لخدمة الأبحاث السيكولوجيّة التجريبيّة، استمرّت أبحاثة ومساعيه بعد ثمانية عشر عاماً حتّى استطاع إنشاء أول مختبر تجريبيّ للدراسات والأبحاث السيكولوجيّة.


شارك المقالة: