نظريات علم النفس التنموي

اقرأ في هذا المقال


يتطور الإنسان والأسر ومجتمعاتهم بحيث تظهر تغييرات منهجية ومتعاقبة بمرور الوقت، هذه التغييرات مترابطة داخل مستوى واحد من التنظيم، على سبيل المثال؛ التغيرات التنموية في الشخصية أو الإدراك داخل الفرد ترتبط بشكل تبادلي بالتغيرات التنموية ضمن المستويات الأخرى، إن التغييرات المتبادلة بين مستويات التنظيم هي منتجات للتغييرات المتبادلة داخل المستويات، فمع مرور الوقت تؤثر طريقة سلوك الوالدين وتربيتهم على شخصية الأطفال والأداء المعرفي ونموهم.
توضح هذه العلاقات المتبادلة تكامل التغييرات داخل وبين المستويات المتعددة للتنظيم التي تشكل بيئة الحياة البشرية، تتضمن التنمية البشرية داخل هذه البيئة تغييرات منظمة ومتعاقبة؛ أي تغييرات منهجية في هيكل ووظيفة العلاقات بين المستويات مع مرور الوقت، بعبارة أخرى إنّ نظام التنمية البشرية يتضمن التكامل أو الاندماج، لتغيير العلاقات بين المستويات المتعددة من التنظيم التي تشكل بيئة السلوك البشري والتنمية، تشمل هذه المستويات علم الأحياء والثقافة والتاريخ.

نظريات علم النفس التنموي:

غالباً ما كانت النظريات حول التنمية البشرية تنطوي على انقسامات سببية بين الطبيعة والتنشئة، أكدت هذه النظريات إمّا على القواعد العضوية المحددة للتطور، مثلاً كما في نظرية التعلق والنظرية الأخلاقية وعلم الوراثة السلوكية ونظرية التحليل النفسي، أو القواعد البيئية والاختزالية والآلية للسلوك وتغيير السلوك.
أكّدت نظريات أخرى أكثر على التفاعل بين المصادر العضوية والبيئية للتنمية، مع ذلك لا يزال هناك افتراض مسبق في الانضباط بأنّ هناك مصدرين متميزين للتنمية؛ أي أنّه كان هناك انقسام بين الكائن الحي والبيئة، فكان دور النظرية هو شرح مساهمات هذين المجالين المنفصلين من الواقع في التنمية البشرية، فإنّ التشديد في النظريات المعاصرة على انقسام الطبيعة وعلى حساب كيفية عمل نظام النمو المتكامل، أي لفهم التخلق الاحتمالي؛ عرّف غوتليب هذه العملية بأنها تتميز بزيادة التعقيد أو التنظيم؛ أي ظهور خصائص وكفاءات هيكلية ووظيفية جديدة على جميع مستويات التحليل.
على هذا النحو يتم تمثيل طليعة النظرية والبحوث التطورية المعاصرة من خلال النظريات العملية، كذلك كيفية عمل الهياكل وكيف يتم تنظيم الوظائف مع مرور الوقت، على سبيل المثال ترتبط معظم الأبحاث المعاصرة حول التنمية البشرية بالأفكار النظرية التي تؤكد أنّ ديناميكيات العلاقات بين السياق الفردي توفر أسس السلوك والتغيير التنموي، في الواقع حتى النماذج التي تحاول فصل التأثيرات البيولوجية أو الجينية بشكل محدد أكثر على تطور الفرد عن تلك السياقية، تعاني من آلام في منظور أنظمة أكثر ديناميكية.

النظرية التنموية المعاصرة:

إنّ التغيير المنهجي والمتتابع (أي التطور) يرتبط بالتغييرات في العلاقات الديناميكية بين الهياكل من مستويات متعددة من التنظيم، فإنّ نطاق النظرية التنموية المعاصرة والبحث لا يقتصر على تصوير أحادي البعد للشخص النامي؛ على سبيل المثال الشخص الذي يُرى من وجهة نظر الإدراك فقط أو العواطف أو اتصالات التحفيز والاستجابة أو الضرورات الجينية؛ تتكون النظرية التنموية المعاصرة بُعدين مترابطين وهما كالتالي:

التغيير واللدونة النسبية:

تؤكد النظريات المعاصرة أنّ تركيز الفهم التنموي يجب أن يكون وفق التغيير المنهجي، هذا التركيز مطلوب بسبب الاعتقاد بأنّ إمكانية التغيير موجودة عبر مدى الحياة بالرغم من أنّه يُفترض أن التغيير المنهجي ليس بلا حدود، كما تؤكد النظريات المعاصرة أن المرونة النسبية موجودة عبر الحياة بالرغم من أنّ حجم هذه اللدونة قد يختلف عبر الجنين، يوجد تداعيات مهمة على اللدونة النسبية لتطبيق العلوم التنموية؛ على سبيل المثال إن وجود اللدونة النسبية يضفي الشرعية على البحث الاستباقي لخصائص الأشخاص وسياقاتهم.

العلاقة وتكامل مستويات التنظيم:

تؤكد النظريات المعاصرة أنّ أسس التغيير لكل من المرونة والقيود في التنمية، تكمن في العلاقات الموجودة بين المستويات المتعددة للتنظيم التي تشكل جوهر الحياة البشرية، تتراوح هذه المستويات من المستوى البيولوجي الداخلي من خلال المستوى النفسي الفردي والمستوى الاجتماعي القريب، الذي يشمل الثنائي ومجموعات الأقران والأسر النووية، إلى المستوى الاجتماعي والثقافي بما في ذلك المؤسّسات الكلية الرئيسية مثل النظم التعليمية والحكومية والاقتصادية، هذه المستويات متكاملة من الناحية الهيكلية والوظيفية، بالتالي تتطلب رؤية أنظمة للمستويات التي ينطوي عليها التنمية البشرية.

نظريات أحادية المستوى:

يشجع السياق التنموي وحدة التحليل العلائقية كشرط ضروري للتحليل التنموي على المتغيرات المرتبطة بمستوى من التنظيم فيما يتعلق بالمتغيرات من المستويات الأخرى؛ يتم تشكيل الأبعاد النوعية والكمية لوظيفة أي متغير من خلال العلاقات التي يمتلكها المتغير مع المتغيرات من المستويات الأخرى، فوحدات التحليل أحادية المستوى ليست هدف مناسب للتحليل التنموي؛ بدلاً من ذلك يجب أن تكون العلاقة نفسها محور هذا التحليل.
للعلاقة والتكامل تأثير واضح على النظريات أحادية المستوى، فإنّ مثل هذه النظريات محدودة للغاية وتوفر تصوير غير حقيقي للتطور، بسبب تركيزها على الآثار الرئيسية في التفاعلات عالية المستوى، مثل هذه النظريات ليست صالحة ولا مفيدة؛ كنظريات البيوجينيك والمفاهيم الاختزالية الجينية، فلا توفر هذه النظريات تصورات كافية للتنمية البشرية، فالنظريات التي تؤكد على فترات التطور الحرجة، أي فترات تطور الجنين المقيدة بالبيولوجيا تُرى من منظور النظريات التي تؤكد على العلاقة والتكامل باعتباره معيب من الناحية المفاهيمية.

نظريات التفاعل بين الطبيعة والتنشئة:

إن العديد من نظريات التفاعل بين الطبيعة والتنشئة تقصر في هذا الصدد على ما تعالج الطبيعة ومتغيرات التغذية ككيانات قابلة للفصل، كما تنظر إلى ارتباطها بأسلوب مماثل لمصطلح التفاعل في تحليل التباين، تتجاوز طليعة هذه النظرية التقسيم المبسط لمصادر التنمية إلى متغيرات أو عمليات متعلقة بالطبيعة والمتعلقة بالتغذية؛ بدلاً من ذلك يُنظر إلى المستويات المتعددة من التنظيم الموجودة في بيئة التنمية البشرية، على أنها جزء من عملية تنموية مدمجة بشكل لا ينفصل.
تعتبر التقييمات التجريبية للتغيّر عبر الزمن أكثر واقعية مع طبيعة ظاهرة التغيير، فإن مثل هذه التحليلات ستتيح فحص ما إذا كانت التغيّرات تتفق مع الافتراضات النظرية حول عمليات التنمية، بعبارة أخرى لدراسة أي عملية وبشكل أكثر أساسية يجب جمع البيانات عبر الزمانية (متعددة المناسبات)، سيكون الاهتمام من الناحية النظرية أهم من الناحية التجريبية، مع إعادة صياغة العديد من الأشياء المتقاطعة الموجودة.

نظرية النظم الديناميكية:

إنّ نظرية النظم الديناميكية مثل السياقية التطورية، من شأنها أن تنقل دراسة التنمية البشرية بمجرد نقطة تعزيز التصاميم المتعددة والمتغيرات والطولية التي تتضمن تدابير حساسة للتغيير، إضافة لذلك من شأن السياقية التنموية أن تقود الباحثين إلى تصميم دراسات بحثية تشمل العلاقات الديناميكية (المدمجة) بين مستويات التنظيم والمشاركة في بيئة التنمية البشرية، كذلك تقييم المستويات التي تتراوح من الداخلية البيولوجية والنفسية الفردية إلى البيئة المادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والمفاهيم التي تؤكد على الطرق التي تترابط بها المستويات.
إنّ السياقية التنموية تؤكد الحاجة إلى السياسات والبرامج المشتقة من البحث؛ لتكون حساسة للتنوع وأن تتخذ نهج موجه نحو التغيير ومتعدد المستويات ومتكامل وتنموي، فالطبيعة المتكاملة لهذا النظام تعني أنّه يمكن إجراء التغيير عن طريق الدخول إلى النظام على أي مستوى من عدّة مستويات أو على عدّة مستويات في وقت واحد؛ ذلك اعتماداً على الظروف الدقيقة التي يعمل فيها الفرد وعلى توفر موارد متعددة التخصصات.
وجهات النظر النظرية مثل السياقية التنموية لا توفر فقط أجندة لنهج تنموي وديناميكي وأنظم للبحث حول التنمية البشرية، لكنّها تسمح كذلك بتعزيز المسارات التنموية الإيجابية لدى الناس؛ فعند تحقيقها يمكن للأنظمة التنموية إلى جانب السياسات والبرامج ضمان وجود نظام دعم اجتماعي مستمر طوال دورة الحياة، سيكون مثل هذا النظام عبارة عن شبكة تشمل المكونات الأسرية والمجتمعية والمؤسسية والثقافية للإيكولوجيا،التي تؤثر على سلوك الشخص وتطوره عبر حياته.


شارك المقالة: