الوراثة والصفات

اقرأ في هذا المقال


ما هي وراثة الصفات؟

السمة الموروثة هي السمة التي يتم تحديدها وراثيًا، حيث تنتقل الصفات الموروثة من الأب إلى الأبناء وفقًا لقواعد علم الوراثة المندلية، كما أن معظم السمات لا تحددها الجينات بدقة بل تتأثر بكل من الجينات والبيئة.

تأتي الجينات في أنواع مختلفة تسمى الأليلات، إذ تحتوي الخلايا الجسدية على أليلين لكل جين مع توفير أليل واحد من قبل كل والد من الكائنات الحية، وفي كثير من الأحيان من المستحيل تحديد أليلين من الجين موجودين داخل كروموسومات الكائن الحي بناءً على المظهر الخارجي، لذلك الكائن الحي فقط، ومع ذلك فإن الأليل المخفي أو الذي لا يعبر عنه الكائن الحي، يمكن أن ينتقل إلى نسل ذلك الكائن الحي ويتم التعبير عنه في جيل لاحق.

مبادئ مندل للوراثة:

كان غريغور مندل أول شخص يصف الطريقة التي تنتقل بها السمات من جيل إلى آخر (وأحيانًا يتخطى الأجيال)، ومن خلال تجاربه في التكاثر مع نباتات البازلاء أسس مندل ثلاثة مبادئ للوراثة تصف انتقال الصفات الجينية قبل اكتشاف الجينات، حيث وسعت رؤى مندل بشكل كبير فهم العلماء للوراثة الجينية وأدت أيضًا إلى تطوير طرق تجريبية جديدة.

إحدى الاستنتاجات المركزية التي توصل إليها مندل بعد دراسة وتربية أجيال متعددة من نباتات البازلاء كانت فكرة أنه (لا يمكن الاستفادة من التشابه الخارجي، أي استنتاجات فيما يتعلق بالطبيعة الداخلية للنباتات)، اليوم يستخدم العلماء كلمة “النمط الظاهري” للإشارة إلى ما أطلق عليه مندل “التشابه الخارجي” للكائن الحي وكلمة “النمط الجيني” للإشارة إلى ما أطلق عليه مندل “الطبيعة الداخلية” للكائن الحي.

وبالتالي لإعادة صياغة استنتاج مندل في المصطلحات الحديثة، فإنه لا يمكن استنتاج النمط الجيني للكائن الحي بمجرد ملاحظة النمط الظاهري له، وفي الواقع كشفت تجارب مندل أنه يمكن إخفاء الأنماط الظاهرية في جيل واحد؛ لتظهر مرة أخرى في الأجيال اللاحقة، وهكذا تساءل مندل كيف تحافظ الكائنات الحية على “العنصر” (أو المادة الوراثية) المرتبطة بهذه السمات في الجيل المتداخل عندما كانت السمات مخفية عن الأنظار.

 انتقال الجينات المخفية:

على الرغم من أن الجين الفردي قد يرمز لسمات فيزيائية معينة، إلا أن هذا الجين يمكن أن يوجد في أشكال أو أليلات مختلفة، كما يتم توريث أليل واحد لكل جين في الكائن الحي من كل من والدي ذلك الكائن الحي، وفي بعض الحالات يوفر كلا الوالدين نفس الأليل لجين معين ويشار إلى النسل على أنه متماثل الزيجوت (“homo” بمعنى “نفسه”) لهذا الأليل، كما في حالات أخرى يوفر كل والد أليلًا مختلفًا لجين معين، ويشار إلى النسل على أنه متغاير الزيجوت (“مغاير” يعني “مختلف”) لذلك الأليل، وتنتج الأليلات أنماطًا ظاهرية أو نسخًا فيزيائية من سمة وتكون إما سائدة أو متنحية، إن الهيمنة أو الانحسار المرتبط بأليل معين هو نتيجة التقنيع، حيث يخفي النمط الظاهري السائد النمط الظاهري المتنحي من خلال هذا المنطق إذ في النسل متغاير الزيجوت فقط سيكون النمط الظاهري السائد واضحًا.

علاقة الأليلات بالنمط الظاهري:

يمكن ملاحظة العلاقات بين الطرز المظهرية السائدة والمتنحية من خلال تجارب التربية، حيث قام جريجور مندل بتربية أجيال من نباتات البازلاء ونتيجة لتجاربه تمكن من اقتراح فكرة أشكال الجينات الأليلية، إذ يستخدم العلماء المعاصرون الكائنات الحية التي لديها أوقات تكاثر أسرع من نبات البازلاء مثل: ذبابة الفاكهة (Drosophila melanogaster) وهكذا يتم وصف اكتشافات مندل الأولية من حيث هذا الاختيار التجريبي الحديث لبقية التجارب.

تُعرف المادة التي أشار إليها مندل باسم “عنصر” الآن باسم الجين ومن المعروف أن الأليلات المختلفة لجين معين تؤدي إلى ظهور سمات مختلفة، وعلى سبيل المثال كشفت تجارب التكاثر مع ذباب الفاكهة أن جينًا واحدًا يتحكم في لون جسم الذباب، وأن ذبابة الفاكهة يمكن أن يكون لها جسم بني أو أسود، وهذا التلوين هو نتيجة مباشرة لأليلات لون الجسم التي ترثها الذبابة من والديها، في ذباب الفاكهة يحتوي جين لون الجسم على أليلين مختلفين: الأليل الأسود والأليل البني، علاوة على ذلك فإن لون الجسم البني هو النمط الظاهري السائد ولون الجسم الأسود هو النمط الظاهري المتنحي.

ربط الوراثة بالكروموسومات:

يعرف العلماء الآن كيف تتصرف الكروموسومات خلال كل من الانقسام والانقسام الاختزالي، لكنهم ما زالوا لم يربطوا أفكار مندل عن الوراثة بهذه الاستطلاعات، إذ بعد حوالي خمسة وثلاثين عامًا من عمل مندل اقترح الباحث الأمريكي والتر ساتون وجود صلة بين وراثة السمات والمسار الذي تنتقله الكروموسومات أثناء انقسام الخلايا الانقسام وتكوين الأمشاج، على وجه الخصوص عند ملاحظة الخلايا الانتصافية في خصي جندب الجلد (Brachystola magna)، لاحظ ساتون أنه من الممكن تمييز وتتبع الكروموسومات الفردية في هذه الخلايا.

كما لاحظ أن هذه الكروموسومات توجد في أزواج يمكن تمييزها عن الأزواج الأخرى من حيث حجمها وأنه عند اتحاد اثنين من الأمشاج أثناء الإخصاب فإن الكروموسومات في الخلية المخصبة حديثًا تحافظ على أشكالها الأصلية، ولذلك اقترح ساتون أن جميع الكروموسومات لها بنية مستقرة أو “فردية” يتم الحفاظ عليها بين الأجيال، ومن خلال إعادة الفكرة إلى دائرة كاملة خلص ساتون أيضًا إلى أن ارتباط الكروموسومات الأبوية والأمومية في أزواج بعد اندماج الأمشاج والفصل اللاحق بينهما أثناء التقسيم المختزل للانقسام الاختزالي، “قد يشكل الأساس المادي لقانون مندل للوراثة، حيث بهذه الكلمات أوضح ساتون أولاً ما يعرف الآن باسم نظرية الكروموسوم في الوراثة.

نظرية الكروموسوم في الوراثة:

على الرغم من اعتقاد ساتون أنه قد وصف أدلة على الأساس المادي لمبادئ مندل للميراث إلا أن الدليل القاطع لا يزال غير موجود وهكذا احتاج العلماء إلى نظام تجريبي يمكن فيه ربط وراثة الصفات الجينية مباشرة بحركة الكروموسومات، إذ أتاحت هذه الفرصة بعد ذلك بوقت قصير مع حدوث طفرة مميزة في ذبابة الفاكهة (Drosophila melanogaster).

خلال السنوات الأولى من القرن العشرين كان ذباب الفاكهة هو الكائن الحي النموذجي المختار للعديد من الباحثين الجيني بما في ذلك أولئك الذين عملوا في مختبر توماس هانت مورغان الشهير “غرفة الطيران” في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك لماذا ذباب الفاكهة؟ أولاً يتكاثر ذباب الفاكهة بسرعة لذا فهو كائنات فعالة للعلماء الذين يرغبون في تتبع الصفات في النسل عبر عدة أجيال، وأيضًا تحتوي ذبابة الفاكهة على أربعة أزواج فقط من الكروموسومات، لذلك يمكن التعرف على هذه الكروموسومات بسهولة وتتبعها من جيل إلى آخر، لذلك شرع مختبر مورجان في فحص أنماط الوراثة من خلال سلسلة متعددة من تجارب التكاثر مع ذباب الفاكهة، وبذلك كانوا يأملون في اكتشاف بالضبط كيف كانت الوراثة مرتبطة أو غير مرتبطة بالكروموسومات، إذ في النهاية أصبحت الإجابة على هذا السؤال واضحة وكل ذلك بسبب ظهور ذبابة وحيدة ذات عيون ملونة بشكل غير عادي.

عادةً ما يكون لذباب الفاكهة عيون حمراء لامعة، على الرغم من ظهور ذباب ذو عيون بيضاء أحيانًا في مختبر مورغان مفتونًا بهؤلاء الذكور ذوي العيون البيضاء قرر فريق أبحاث مورغان اتباع هذه الصفة من خلال دورات تكاثر متعددة للذكور ذوي العيون البيضاء والإناث ذات العيون الحمراء، وعند القيام بذلك لاحظ الباحثون أن صفة العين البيضاء تم تمريرها فقط إلى ذكور أخرى ففي الواقع بعد أن أجرى الباحثون جولات متعددة لتكاثر ذكور بيضاء العينين وإناث ذات عيون حمراء دون تحديد أنثى واحدة بيضاء العينين بدأوا في الشك في أن لون العين البيضاء موروث مع جنس الذبابة.

حيث أكدت هذه الملاحظة نظرية الكروموسوم التي اقترحها ساتون، ووفقًا لهذه النظرية يجب أن يرث ذكور الذباب دائمًا خصائص الذكور بحكم وراثة الكروموسوم “الذكري” (يُشار إليه Y) وبالمثل يجب أن ترث إناث الذباب دائمًا الكروموسومات “الأنثوية” (يُشار إليها بـ X) مما يعني أن هذه الذباب يجب ألا تظهر خصائص ذكورية، لقد أقنعت الآلاف من عمليات التزاوج مختبر مورغان أن العيون البيضاء كانت بوضوح سمة مرتبطة فقط بالكروموسوم Y.

الاستثناء يثبت القاعدة:

في بحث مختبر مورغان لفهم الأنثى بيضاء العينين اقترحت ليليان فون مورغان (زوجة توماس مورغان) أن هذه الذبابة الاستثنائية قد يكون لها تركيبة كروموسوم غير عادية، واستفاد فريق البحث من هذا الاقتراح وسرعان ما قاموا بفحص بعض خلايا الأنثى ذات العين البيضاء تحت المجهر، وبذلك أدرك العلماء أن السيدة مورجان كانت على حق، حيث كان يبدو أن خلايا الذبابة تحتوي بالفعل على كروموسوم إضافي.

على وجه التحديد احتوت هذه الخلايا على كروموسومين X بالإضافة إلى كروموسوم Y واحد، وتم تحديد الكروموسوم الإضافي على أنه نتيجة لخلل أثناء الانقسام الاختزالي تسبب في ارتفاع وتيرة عدم الانفصال (Nondisjunction) هو فشل اثنين من الكروماتيدات الشقيقة في الانفصال خلال الانقسام الانتصافي الثاني وهكذا، عندما تحتوي بويضة تحتوي على كروموسومين X غير متصلين يحمل كل منهما الجين الأبيض الطافر، ويتم تخصيبها بواسطة خلية منوية تحتوي على كروموسوم Y كان المنتج XXY أنثى بعيون بيضاء،بودلاً من دحض نظرية الكروموسوم قدمت هذه الأنثى “الاستثنائية” دعماً تجريبياً قوياً بأن الجينات كانت في الواقع موجودة في الكروموسومات.


شارك المقالة: