تاريخ علم الجينات

اقرأ في هذا المقال


تاريخ علم الجينات:

نشأ علم الوراثة من تحديد الجينات، وهي الوحدات الأساسية المسؤولة عن الوراثة إذ أن علم الوراثة ودراسة الوراثة بشكل عام والجينات بشكل خاص، يشكل إحدى الركائز الأساسية لعلم الأحياء ويتداخل مع العديد من المجالات الأخرى، مثل الزراعة والطب والتكنولوجيا الحيوية.

منذ فجر الحضارة أدركت البشرية تأثير الوراثة وطبقت مبادئها على تحسين المحاصيل المزروعة والحيوانات الأليفة، حيث لوح بابلي عمره أكثر من 6000 سنة على سبيل المثال  يظهر أنساب الخيول ويشير إلى الخصائص الموروثة المحتملة، كما تظهر المنحوتات القديمة الأخرى التلقيح المتبادل لأشجار النخيل ومع ذلك، ظلت معظم آليات الوراثة لغزًا حتى القرن التاسع عشر عندما بدأ علم الوراثة كعلم منهجي.

يمكن تعريف علم الوراثة على أنه دراسة الجينات على جميع المستويات، بما في ذلك الطرق التي تعمل بها في الخلية والطرق التي تنتقل بها من الآباء إلى الأبناء، حيث يركز علم الوراثة الحديث على المادة الكيميائية التي تتكون منها الجينات، والتي تسمى الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين، والطرق التي تؤثر بها على التفاعلات الكيميائية التي تشكل العمليات الحية داخل الخلية.

يعتمد العمل الجيني على التفاعل مع البيئة النباتات الخضراء على سبيل المثال، لديها جينات تحتوي على المعلومات اللازمة لتخليق صبغة الكلوروفيل الضوئية التي تمنحها لونها الأخضر، كما يتم تصنيع الكلوروفيل في بيئة تحتوي على الضوء لأن الجين الخاص بالكلوروفيل يتم التعبير عنه فقط عندما يتفاعل مع الضوء، وإذا تم وضع النبات في بيئة مظلمة، فإن تخليق الكلوروفيل يتوقف لأن الجين لم يعد يتم التعبير عنه.

نشأ علم الوراثة كنظام علمي من عمل جريجور مندل في منتصف القرن التاسع عشر، حيث شك مندل في أن السمات موروثة كوحدات منفصلة، وعلى الرغم من أنه لا يعرف شيئًا عن الطبيعة الفيزيائية أو الكيميائية للجينات في ذلك الوقت، أصبحت وحداته أساسًا لتطوير الفهم الحالي للوراثة، كما يمكن إرجاع جميع الأبحاث الحالية في علم الوراثة إلى اكتشاف مندل للقوانين التي تحكم وراثة السمات، وتم تقديم كلمة علم الوراثة في عام 1905 من قبل عالم الأحياء الإنجليزي ويليام بيتسون الذي كان أحد مكتشف عمل مندل، والذي أصبح بطل مبادئ مندل في الميراث.

النظريات القديمة عن التكوّن والدم في الوراثة:

على الرغم من أن الأدلة العلمية لأنماط الوراثة الجينية لم تظهر حتى عمل مندل، فإن التاريخ يُظهر أن الجنس البشري لابد أن يكون مهتمًا بالوراثة قبل فجر الحضارة بفترة طويلة، حيث يجب أن يستند الفضول أولاً إلى تشابه الأسرة البشرية مثل:

  • التشابه في بنية الجسم.
  • الصوت.
  • المشية.
  • الإيماءات.

كانت هذه المفاهيم مفيدة في تأسيس الأسرة والسلالات الملكية، حيث كانت القبائل البدوية المبكرة مهتمة بصفات الحيوانات التي رعاها ودجنها وبلا شك تمت تربيتها بشكل انتقائي، إذ يبدو أن المستوطنات البشرية الأولى التي مارست الزراعة قد اختارت نباتات المحاصيل ذات الصفات الملائمة، كما تُظهر لوحات المقابر القديمة أنساب تربية خيول السباق التي تحتوي على صور واضحة لميراث العديد من السمات الجسدية المتميزة في الخيول، وعلى الرغم من هذا الاهتمام فإن التكهنات الأولى المسجلة حول الوراثة لم تكن موجودة حتى وقت الإغريق القدماء، بعض جوانب أفكارهم لا تزال تعتبر ذات صلة اليوم.

مساهمات العلماء في علم الجينات:

كان أبقراط (حوالي 460 – 375 قبل الميلاد) المعروف باسم أبو الطب، يؤمن بوراثة الخصائص المكتسبة ولتفسير ذلك ابتكر الفرضية المعروفة باسم التكوّن الشامل، ولقد افترض أن جميع أعضاء جسد أحد الوالدين تعطي بذور غير مرئية، والتي كانت مثل مكونات البناء المصغرة، والتي تنتقل أثناء الجماع وتجمع نفسها في رحم الأم لتكوين طفل.

أكد أرسطو (384-322 قبل الميلاد) على أهمية الدم في الوراثة، حيث كان يعتقد أن الدم يزود بالمواد التوليدية لبناء جميع أجزاء الجسم البالغ، واستنتج أن الدم هو الأساس لتمرير هذه القوة التوليدية إلى الجيل التالي، وفي الواقع كان يعتقد أن السائل المنوي للذكور هو دم نقي وأن دم الحيض للمرأة يعادل السائل المنوي، حيث اتحدت هذه المساهمات من الذكور والإناث في الرحم لإنجاب طفل، واحتوى الدم على نوع من الجواهر الوراثية لكنه اعتقد أن الطفل سيتطور تحت تأثير هذه الجواهر بدلاً من أن يتم بناؤه من الجواهر نفسها.

ربما كانت أفكار أرسطو حول دور الدم في الإنجاب هي أصل الفكرة السائدة بأن الدم بطريقة ما متورط في الوراثة، ولا يزال الناس يتحدثون اليوم عن سمات معينة على أنها في الدم وعن سلالات الدم، بينما اختلف النموذج اليوناني للميراث الذي تم فيه استدعاء عدد كبير من المواد عن النموذج المندلي، حيث كانت فكرة مندل أن الاختلافات المميزة بين الأفراد تحددها الاختلافات في عوامل وراثية فردية لكنها قوية، كما تم تحديد هذه العوامل الوراثية على أنها جينات، إذ تنتقل نسخ من الجينات عبر الحيوانات المنوية والبويضة وتوجه نمو النسل، والجينات مسؤولة أيضًا عن إعادة إنتاج السمات المميزة لكلا الوالدين التي تظهر في أطفالهم.

التشكيل والاختيار الطبيعي:

في الألفي عام بين حياة أرسطو ومندل، تم تسجيل بعض الأفكار الجديدة حول طبيعة الوراثة، ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر تم تقديم فكرة التشكيل، حيث تخيل العلماء الذين يستخدمون المجاهر المطورة حديثًا أنهم يستطيعون رؤية نسخ مصغرة من البشر داخل رؤوس الحيوانات المنوية، إذ استدعى عالم الأحياء الفرنسي جان بابتيست لامارك فكرة “وراثة الشخصيات المكتسبة” ليس كتفسير للوراثة ولكن كنموذج للتطور، ولقد عاش في وقت تم فيه اعتبار ثبات الأنواع أمرًا مفروغًا منه، لكنه أكد أن هذا الثبات لا يوجد إلا في بيئة ثابتة.

أعلن قانون الاستخدام والإهمال، والذي ينص على أنه عندما يتم تطوير أعضاء معينة بشكل خاص نتيجة لبعض الاحتياجات البيئية، فإن حالة التطور هذه وراثية ويمكن نقلها إلى ذرية، وكان يعتقد أنه بهذه الطريقة على مدى أجيال عديدة، يمكن أن تنشأ الزرافات من حيوانات شبيهة بالغزلان كان عليها أن تستمر في مد أعناقها للوصول إلى الأوراق العالية على الأشجار.

افترض عالم الطبيعة البريطاني ألفريد راسل والاس نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي ومع ذلك، قدمت ملاحظات تشارلز داروين أثناء إبحاره حول الكرة الأرضية على متن سفينة دليلاً على الانتقاء الطبيعي، واقتراحه بأن البشر والحيوانات يشتركان في سلالة مشتركة، وكان العديد من العلماء في ذلك الوقت يؤمنون بآلية وراثية كانت نسخة من الفكرة اليونانية القديمة حول التخلق، ويبدو أن أفكار داروين لا تتلاءم مع نظرية الوراثة التي انبثقت عن تجارب مندل.


شارك المقالة: