النظرية البنائية الوظيفية

اقرأ في هذا المقال


ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية لتنظر إلى الظاهرة أو الحادثة الاجتماعية على أنها وليدة الأجزاء أو الكيانات البنيوية التي تظهر في وسطها، وإنّ لظهورها وظيفة اجتماعية لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بوظائف الظواهر الأخرى المشتقة من الأجزاء الأخرى للبناء الاجتماعي، علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية قد ظهرت في القرن التاسع عشر على يد العالم الاجتماعي البريطاني هربرن سبنسر، ثم ذهبت إلى أميركا فطورها هناك كل من تالكوت بارسونز، وروبرت ميرتون، وهانز كيرث، ورايت ميلز.

مفهوم نظرية البناء الوظيفي

تعتبر النظرية البنائية الوظيفية من أكثر النظريات الاجتماعية شيوعاً واستخداماً في مجال علم الاجتماع الأسري، حيث ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية في أعقاب ظهور كل من البنيوية الاجتماعية، على يد كل من كلاودس ليفي ستراوس، كولدون ويزير، عندما نشر العالمان كتابي “أبنية القرابة” و”الطوطمية” على التوالي، والوظيفية على أيدي كل من ماكس فيبر، وأميل دوركايم، وويليام كراهام سيمنر، في مؤلفاتهم المنشورة “الدين والاقتصاد”، “تقسيم العمل في المجتمع” و”طرق الشعوب”، علما بأن ظهورها كان كرد فعل للتراجع، والضعف والإخفاق لكون كل منهما أحادية الجانب، ذلك أن البنيوية تفسر المجتمع والظاهرة الاجتماعية، وفقا للأجزاء والمكونات والعوامل المفردة التي يتكون منها البناء الاجتماعي، بعيدا عن وظائف هذه الأجزاء والنتائج المؤثرة عن وجودها.

المبادئ التي ترتكز عليها النظرية البنيوية الوظيفية

تعتقد النظرية البنائية الوظيفية التي كان روادها كل من هربرت سبنسر، وتالكوت بارسونز، وروبرت ميرتون، وهانز كيرث، بعشرة مبادئ أساسية متكاملة، حيث كل مبدأ يكمل المبدأ الآخر، وهذه المبادئ هي:

  • يتكون المجتمع أو المجتمع المحلي أو المؤسسة أو الجماعة، مهما يكن غرضها وحجمها من أجزاء ووحدات مختلفة عن بعضها البعض، فعلى الرغم من اختلافها إلا إنها مترابطة ومتساندة ومتجاوبة وحداتها مع الأخرى.

  • إن الأجزاء التي تحلل إليها المؤسسة أو المجتمع أو الظاهرة الاجتماعية، إنما هي أجزاء متكاملة، فكل جزء يكمل الجزء الآخر، وفي حالة حدوث تغيير يطرأ على أحد الأجزاء، لابد أن ينعكس على بقية الأجزاء، وبالتالي يحدث ما يسمى بعملية التغير الاجتماعي.

  • المجتمع أو الجماعة أو المؤسسة يمكن تحليلها تحليلاً بنيوياً وظيفياً، إلى أجزاء وعناصر أولية، أي أن المؤسسة تتكون من أجزاء أو عناصر لكل منها وظائفها الأساسية.

  • الوظائف التي تؤديها الجماعة أو المؤسسة أو التي يؤديها المجتمع، إنما تشبع حاجات الأفراد المنتمين أو حاجات المؤسسات الأخرى، والحاجات التي تشبعها المؤسسات قد تكون حاجاتٍ أساسية، أو حاجات اجتماعية أو حاجاتٍ روحية.

  • الوظائف التي تؤديها المؤسسة أو الجماعة، قد تكون وظائف ظاهرة أو كامنة أو وظائف بنائية أو وظائف هدّامة.

  • وجود نظام قيمي أو معياري تسير البنى الهيكلية للمجتمع أو المؤسسة في مجاله، فالنظام القيمي هو الذي يقسم العمل على الأفراد ويحدد واجبات كل فرد وحقوقه، كما يحدد أساليب اتصاله وتفاعله مع الآخرين، بالإضافة إلى تحديده لماهية الأفعال التي يكافأ عليها الفرد أو يعاقب.

  • تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية بنظام اتصال أو علاقات إنسانية، تمرر عن طريقه المعلومات والتوجيهات من المراكز القيادية إلى المراكز القاعدية، أو من المراكز الأخيرة إلى المراكز القيادية.

الانتقادات التي وجهت للنظرية البنائية الوظيفية

  • انصب التركيز على الجوانب الثابتة من النسق الاجتماعي، أكثر من الاهتمام بالأبعاد الديناميكية المتغيرة، وكانت الأبعاد الثقافية للنسق الاجتماعي، أكثر استخداماً في التفسير من غيرها من مكونات النسق.
  • المبالغة في محاكاة نموذج العلوم الطبيعية، وخاصة نموذج علوم الحياة.
  • يؤخذ على الاتجاه البنائي الوظيفي أنه أحادي النظرة، بمعنى أنه لا يرى ويبحث في النسق الاجتماعي، إلا أبعاد التوازن والوظائف وتحقيق الأهداف، فلا يهتم بتحليل أبعادٍ أخرى مثل أبعاد التغير والاضطراب والأمراض والمشكلات الاجتماعية.
  • صعوبة اختبار كثير من المفاهيم والتصورات والقضايا، التي يستند إليها الاتجاه البنائي الوظيفي في فهم المجتمع.
  • لا يطرح أسئلة رئيسية وجذرية حول غاية الفعل الاجتماعي، فهو يهتم فقط بنتائج الفعل واستمراره دون النظر في مضامينه وغاياته البعيدة.

 هذه الانتقادات تسلط الضوء على قصور النظرية البنائية الوظيفية في فهم التنوع والديناميكية في المجتمعات البشرية، وتبرز أهمية النظر للعوامل الثقافية والتاريخية والاقتصادية في تحليل الظواهر الاجتماعية بشكل شامل.

تالكوت بارسونز

كان عالم اجتماع أميريكي، الذي عمل في هيئة التدريس في جامعة هارفارد منذ عام 1927، حتى عام 1973، حيث وضع بارسونز نظرية عامة لدراسة المجتمع أُطلق عليها نظرية السلوك، استناداً إلى المبدأ المنهجي التطوعي، ومبدأ المعرفية من الواقعية التحليلية.

أيضاً من الإضافات التي قدمها تالكوت بارسونز للبنيوية الوظيفية وتطورها: حيث ظهرت الإضافات التي قدمها بارسونز (1902- 1979)، لنمو وتطوُّر النظرية البنيوية الوظيفية في مؤلفيه (النسق الاجتماعي) و(نحو نظرية عامة للحدث)، ذلك أن بارسونز يُعد من قادة النظرية البنيَوية الوظيفية في القَرنِ العِشرين، وأن نظرية الحدث التي بلور معالمها بارسونز تقوم على دراسة الأنساق الثّلاثة: وهي الثقافة، الشخصيّة والنظام الاجتماعي، علماً بأن التكامُل الموضوعي بين الأنساق الثّلاثة، يَعني بأن الثقافة لا يُمكن فهمها إلا عن طريق الشخصيّة والنظام الاجتماعي، وإن النظام الاجتماعي لا يُمكِن فهمه بدون فهم ودراسة واستيعاب الثقافة والشخصيّة.

المتطلبات الوظيفية للنظام الاجتماعي

  • تحقيق وتهيئة الظروف الأساسية، التي تُساعد النّسق الاجتماعي على البقاء والاستمرار والتّطور، ومِن هذه الظُروف تنشئة الأطفال وتزويدهم بالمهارات والقابليات والقِيم التي يعتز بها المجتمع.

  • وُجود لُغة مشتركة تُساعِد على التّفاهُم والاتصال بين الأفراد والجماعات.

  • طريقة توزيع الأدوار الاجتماعيّة على بِناء المجتمع أو الجماعة.

  • توزيع المُكافآت والامتيازات والحُقوق، على الأفراد بطريقة تعتمد على طَبيعة الواجبات التي يقومون بها.

العنف الأسري في النظرية البنائية الوظيفية

يُرجع أصحاب النظرية الوظيفية العُنف الأسري إلى الخلل الوظيفي الأسري (family dysfunction)، حيث يَنظُر أَصحاب هذه النظرية إلى الأسرة كنِظام اجتماعي (social system)، لَهُ بِناؤه وعَلاقاته المُتبادِلة وحُدوده التي تَحفظ لَه تَوازنه، فبالتالي فإن تَوازن الأسرة يُمكِن أَن يُصيبه الخلل نَتيجَة اضطِراب البِناء أَو العَلاقات أَو الحُدود، وبِهذا يمكننا القول أَنَّ العُنف الأُسريّ هُو دَليل عَلى وُجودِ خلل ما في هذه الأَجهزة المُكونة للنظام، وإِذا تغيّرت القواعِد والقَوانين والمَسؤولِيات، التي تَعمَل على تَوازُن النِظام الأُسري، فإِنَّ من المتوقع أن تظهر في الأسرة علاقات سلبية.

أسس نظرية البنائية الوظيفية

  • المجتمع نظام اجتماعي: يُشبه جسم الإنسان، حيث تتفاعل جميع أجزائه مع بعضها البعض لضمان استمرار النظام.
  • الأجزاء (البنى) لها وظائف: تلعب كلّ بنية دورًا محددًا في النظام الاجتماعي.
  • التوازن: يسعى النظام الاجتماعي إلى تحقيق التوازن والاستقرار.
  • التغير: يمكن أن يتغير النظام الاجتماعي بمرور الوقت، لكنّه يسعى دائمًا إلى تحقيق التوازن.

أبرز رواد نظرية البنائية الوظيفية

  • إميل دوركهايم: ركز على دور الدين والتقسيم الاجتماعي في تحقيق التماسك الاجتماعي.
  • تالْكُوتْ بارْسُونْز: ركز على مفهوم “النظام الاجتماعي” ووظائفه.
  • روبرت ميرتون: ركز على مفهوم “الوظائف الكامنة” و”الوظائف غير الظاهرة”.

نقد نظرية البنائية الوظيفية

  • تُهمل نظرية البنائية الوظيفية الصراع والتغيير في المجتمع.
  • تُركز على الوظائف الإيجابية للبنى الاجتماعية، وتتجاهل وظائفها السلبية.
  • تُعتبر نظرية محافظة، حيث تُؤيد الوضع القائم في المجتمع.

على الرغم من هذه الانتقادات، لا تزال نظرية البنائية الوظيفية من أهمّ النظريات في علم الاجتماع، وتُساعد في فهم المجتمع ككلّ من خلال تحليل أجزائه ووظائفها.


شارك المقالة: