ما هي البارادبلوماسية؟

اقرأ في هذا المقال


هي علاقات دولية تجريها الحكومات دون الوطنية أو الإقليمية بمفردها بهدف تعزيز مصالحها الخاصة.

لمحة عن البارادبلوماسية:

مع العولمة تلعب المناطق غير الحكومية دوراً دولياً مؤثراً بشكل متزايد، وتسعى المناطق والولايات الفيدرالية والمقاطعات والمدن إلى طريقها؛ لتعزيز التجارة والاستثمارات والتعاون والشراكة في قائمة طويلة من الموضوعات وتمثل جزءاً كبيراً من الاتصالات عبر الحدود اليوم، حيث يثير هذا الاتجاه أسئلة جديدة مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالقانون الدولي العام ويفتح نقاشاً حول مستقبل نظام الدولة الذي وفر أسس النظام السياسي الدولي في القرون الماضية.

على الرغم من أن مصطلح (paradiplomacy) استخدم عرضاً في الثمانينيات فقد تم إدخاله في النقاش الأكاديمي بواسطة الباحث الكندي بانايوتيس سولداتوس، حيث قام المؤلف الأمريكي إيفو دوشاك بتطوير المفهوم وأصبح أحد منظريه الرئيسيين.

الطوائف الحالية الأخرى ل (paradiplomacy) والمفاهيم ذات الصلة هي: الدبلوماسية متعددة الطبقات والدبلوماسية الفرعية والشؤون الداخلية، حيث يعبر هذا المفهوم الأخير عن اتجاه متزايد نحو تدويل القضايا المحلية، الأمر الذي يأخذ الاهتمامات المحلية والإقليمية إلى مركز الصدارة في الشؤون الدولية.

بالتالي فإن نية الحكومات المحلية هي تعزيز التنمية من خلال استكشاف التكامل مع الشركاء الذين يواجهون مشاكل مماثلة؛ بهدف توحيد الجهود للتوصل إلى حلول بسهولة أكبر، بالإضافة إلى ذلك يستكشفون الفرص جنباً إلى جنب مع المنظمات الدولية التي تقدم برامج مساعدة لمشاريع التنمية المحلية.

تاريخ التعاون الدولي اللامركزي:

يعد التعاون الدولي في بعده اللامركزي ظاهرة ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما وقعت الحكومات المحلية في أوروبا – وخاصة تلك الموجودة في فرنسا، التي كانت منسقة نشطة لهذا الشكل الجديد من التفاعل – اتفاقيات توأمة خاصة مع حكومات ألمانيا المحلية؛ من أجل تعزيز التعايش السلمي وإعادة إعمار أوروبا.

في ذلك الوقت كان لاتفاقيات التوأمة طابع ثقافي وسياسي قوي، بينما كان للتعاون اللامركزي هدف شامل هو الحفاظ على السلام في فترة ما بعد الحرب، مع ذلك فمنذ سبعينيات القرن الماضي اقترن الترابط الذي أوجدته العولمة في مختلف المجالات مع تطور مفهوم التعاون (من نهج قائم على المساعدة إلى نهج تنموي)؛ لرفع طبيعة الاتفاقات إلى مستوى آخر.

في تلك المرحلة أدركت الحكومات المحلية عندما اكتسبت قدراً أكبر من الاستقلالية أهمية القضايا الدولية في عملياتها اليومية، حيث رأت التعاون اللامركزي كوسيلة للتغلب على القيود الإقليمية سواء كانت اقتصادية أو تكنولوجية أو اجتماعية أو غيرها، منذ ذلك الحين أصبحت المشاركة الدولية للحكومات المحلية واضحة بشكل متزايد في الممارسة العملية.

سياق الكلام في البارادبلوماسية:

قد يتم تنفيذ الـ (Paradiplomacy) على حد سواء لدعم وتكامل دبلوماسية الدولة المركزية التي تمارس أو تأتي في صراع أو تنافس معها، حيث يشير (Duchacek) إلى التمييز بين: الدبلوماسية الجزئية الإقليمية العابرة للحدود، الدبلوماسية الدقيقة عبر الإقليمية، (paradiplomacy) العالمية؛ لوصف: الاتصالات بين الوحدات غير المركزية الواقعة عبر الحدود في ولايات مختلفة، الاتصالات بين الوحدات غير المركزية الوحدات التي ليس لها حدود مشتركة ولكنها تقع في الدول المجاورة بالإضافة إلى الاتصالات بين الوحدات التابعة لدول ليس لها حدود مشتركة، حيث ينبغي أن تأخذ النظرة الشاملة للظاهرة بعين الاعتبار الاتصالات في نطاق واسع من الاتحادات المتعددة الأطراف للسلطات المحلية.

يمكن للحكومات غير المركزية تطوير العلاقات الدولية الرسمية رسمياً عن طريق: إرسال وفود في زيارات رسمية، توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وغيرها من الصكوك، المشاركة في المنتديات الدولية المحلية وإنشاء مكاتب تمثيلية أو بعثات دائمة في الخارج.

تسعى الحكومات المحلية إلى التعاون الدولي لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو سياسية، في المجال الاقتصادي من المعروف أن معظم الحكومات المركزية لا تستطيع مساعدة المجتمعات المحلية بشكل صحيح في جميع احتياجاتها، قد يفتقرون إلى الخبرة والكوادر لفهم الحقائق المحلية بشكل كامل والتعامل مع تعقيداتها، حيث تميل الحكومات المحلية إلى الاعتقاد بأن السلطات المركزية لا تبدي اهتماماً كافياً بمساعدتها، وتجد نفسها قادرة تمامًا على متابعة مصالحها الخاصة.

في المجال الثقافي قد تسعى بعض المناطق إلى الترويج لنفسها دولياً ككيان ثقافي مستقل، هذا هو حال مجتمعات الحكم الذاتي الإسبانية في كاتالونيا وبلاد الباسك، فقد تسعى بعض المناطق إلى التعاون مع جالياتها في جميع أنحاء العالم وتحاول الحصول على دعم مواطنيها في الخارج لتحقيق أهدافهم الدبلوماسية.

فيما يتعلق بالجوانب السياسية قد تنضم الحكومات المحلية إلى الجهود الدولية للضغط على الحكومات المركزية في مسار العمل المطلوب، حيث تتجسد هذه الاستراتيجية في قضية ثماني مذكرات تفاهم تم توقيعها وفي سنة 1980 بين ثلاث ولايات أمريكية وثلاث مقاطعات كندية للسيطرة على الأمطار الحمضية ومكافحتها، حيث لم تتمكن إدارة ريغان والكونغرس الأمريكي من التوصل إلى توافق في هذا الشأن.

أدت الجهود شبه الدبلوماسية العابرة للحدود في النهاية إلى قيام واشنطن بتعديل قانون الهواء النظيف في سنة 1990 والتوقيع مع كندا ففي سنة 1991، على اتفاقية جودة الهواء بين الولايات المتحدة وكندا والتي يتفق فيها البلدان على جدول زمني لتقليل الانبعاثات الحمضية.

يطلق على نوع معين من النشاط السياسي المحلي اسم “الدبلوماسية الأولية”، التي قد تسعى الحكومة المحلية من خلالها إلى الحصول على دعم دولي لخطط التحرر أو الاستقلال، هذا هو الحال عادة في مقاطعة كيبيك الكندية في السبعينيات تحت حكم بارتي كيبيك.

قد يسمح للحكومات غير المركزية بالتفاوض وتوقيع اتفاقيات مع سلطات أجنبية غير مركزية أو حتى مع حكومة دولة أجنبية، حيث يمكن أن تختلف الشروط إلى حد كبير من قدرة محدودة على التفاوض بمساعدة السلطات المركزية إلى استقلالية كاملة على أساس الامتيازات الدستورية السيادية، هذا لا يمكن أن يكون موضوع القانون الدولي.

فقط القانون الداخلي للولايات هو الذي يحدد السلطات الداخلية التي يحق لها القيام بذلك وإلى أي مدى، وفي بعض الدول، حيث تعتبر العلاقات الخارجية لحكوماتها غير المركزية مسألة دستورية تتعلق مباشرة بمسألة الاختصاص القانوني.

دبلوماسية المدينة:

في السنوات الأخيرة اكتسب مصطلح دبلوماسية المدينة استخداماً وقبولاً متزايداً لا سيما كخيط من (paradiplomacy) والدبلوماسية العامة، حيث يتم استخدامه رسمياً في أعمال المدن المتحدة والحكومات المحلية ومعترف بها من قبل مركز (USC) للدبلوماسية العامة، حيث يمكن النظر إلى المنظمات غير الحكومية على أنها باراديبلومات لها فائدة قيمة ولكنها محدودة وتحتاج فقط إلى العمل مع الدبلوماسيين المحترفين.

أقر نقاش في مارس 2014 في مجلس اللوردات البريطاني بتطور توأمة المدن إلى دبلوماسية المدينة لا سيما فيما يتعلق بالتجارة والسياحة، ولكن أيضاً في الثقافة والمصالحة بعد الصراع، حيث اتبعت ساو باولو بقوة دبلوماسية المدينة ولم تصبح فقط أول حكومة دون وطنية في نصف الكرة الجنوبي توقع اتفاقيات ثنائية مباشرة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، كما توجت بلقب دولة المستقبل في أمريكا اللاتينية 2018-19.

الفيدرالية:

عادة ما تكون الدول الفيدرالية منفصلة في دساتيرها عندما يتعلق الأمر بالتقسيم الداخلي للسلطات، وهي الأمور التي تقتصر على السلطة المركزية، حيث عادة ما تكون “الدفاع الوطني” و “العملة” و “العلاقات الخارجية”، مع ذلك نظراً لأن الاتصالات عبر الحدود أصبحت أمراً ضرورياً للمجتمعات المحلية، حيث أصبحت الدبلوماسية بشكل متزايد امتيازاً لا مركزياً، حيث تعترف بعض الدول رسمياً بمصالح وحداتها السياسية والإدارية في الشؤون الخارجية وبناء عليه وضعت الأساس القانوني المطلوب على المستوى الدستوري.

البارا دبلوماسية حسب الدول:

أستراليا:

يقيد دستور النمسا قدرة الدول على إقامة روابط خارجية رسمية للقضايا العابرة للحدود، حيث تسمح المادة 16 من النص المعدل للولايات بإبرام المعاهدات مع الدول المجاورة أو مع الدول المكونة لها في مسائل اختصاصها الدستوري، حيث يجب على حاكم الولاية إبلاغ الحكومة الفيدرالية بمن يجب أن يحصل منها على إذن قبل الدخول في مفاوضات دولية.

إذا لم تستجب الحكومة الفيدرالية في غضون ثمانية أسابيع فسيتم اعتبار الطلب قد تمت الموافقة عليه، حيث تلزم الموافقة سواء كانت صريحة أو ضمنية الرئيس الاتحادي بالنص المتفق عليه والذي يجب أن يتم التوقيع عليه من قبل سلطة اتحادية، مع ذلك بناء على طلب الحكومة الفيدرالية يجب على الولايات أن تنسحب من المعاهدة، إذا لم تمتثل الولاية على النحو الواجب لالتزاماتها تتحمل الحكومة الفيدرالية المسؤولية وتنظم الفقرتان 4 و5 من المادة 16، كذلك اختصاصات الولايات والدولة الاتحادية في تنفيذ المعاهدات.

الصين:

بالمعنى الدقيق للكلمة لا تنخرط الصين في (paradiplomacy) وتعتبر ظاهرة “الدبلوماسية متعددة الطبقات”، على الرغم من الدور النشط الذي يلعبه قادة المقاطعات والبلديات والمقاطعات الصينية في المجال الدبلوماسي، فإن هؤلاء المسؤولين الحكوميين لا يتصرفون نيابة عن الجماعات السياسية المحلية أو من منظور “محلي” فحسب، حيث هم بالفعل امتداد للحكومة المركزية وتنفيذ السياسات التي حددها الحزب الشيوعي طالما أن مصالحهم تتلاقى مع مصالح بكين.


شارك المقالة: