كيف كان علم الفلك في العالم الإسلامي؟
كان بطليموس آخر شخصية رئيسية في التقليد الفلكي اليوناني، وتمت كتابة التعليقات على أعماله من قبل بابوس الإسكندري في القرن الثالث الميلادي وثيون الإسكندري وابنته هيباتيا في القرن الرابع، لكن العمل الإبداعي لم يعد قائماً، سافر علم الفلك البابلي شرقاً إلى بلاد فارس والهند حيث تم تكييفه بطرق أصلية ودمجها مع الأساليب الهندية الأصلية، كما شقت نظريات الكواكب الهندسية اليونانية من الوقت بين هيبارخوس وبطليموس طريقها أيضاً إلى الهند.
هذه المادة شديدة التعقيد والتنوع ويصعب فرزها، فعلى سبيل المثال الإجراءات الحسابية البابلية المستخدمة في حساب الظواهر القمرية والشمسية تظهر بالتزامن مع طول السنة الشمسية بسبب هيبارخوس، ومع ذلك فإن المادة الهندية إلى جانب اهتماماتها الجوهرية توفر معلومات حول علم الفلك اليوناني خلال فترة حيوية لا تقول عنها النصوص الكلاسيكية شيئاً يذكر.
في القرن الثامن كان علماء الفلك العرب المسلمون على اتصال بهذه المادة الفلكية المعقدة، والنظريات والأساليب التي مرت من البابليين واليونانيين عبر بلاد فارس إلى الهند عادت الآن إلى الغرب، وخير مثال على ذلك زيج محمد بن موسى الخوارزمي (القرن التاسع)، يعتبر عمل الخوارزمي مزيجاً محيراً من الموائد والأساليب الهندية والفارسية واليونانية لكنه ساعد في إنشاء نوع مهم من الزيج، والزيج هو كتيب للجداول الفلكية بما في ذلك جداول لحساب مواقع الشمس والقمر والكواكب مصحوبة بإرشادات لاستخدامها، وكان النموذج الأولي القديم عبارة عن طاولات يدوية لبطليموس.
تمت ترجمة كتاب المجسطي لبطليموس في أربع مناسبات على الأقل إلى العربية، تركز جزء كبير من نشاط الترجمة على خلافة العباسيين في بغداد (750 إلى 1258)، ومع توفر الشكل الهندسي الخالص لنظرية الكواكب اليونانية الآن عمل علماء الفلك العرب على إتقانها ثم تحسينها، وأظهر زيج البطاني (أوائل القرن العاشر الميلادي) التمكن من نظرية الكواكب البطلمية وقيماً محسنة لبعض معايير بطليموس مثل حجم واتجاه انحراف الشمس.
تم الحفاظ على مئات الزيجات العربية من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر، كما استند بعضها إلى الأساليب الهندية لكن الغالبية العظمى كانت في تقليد المجسطي والجداول اليدوية، وكان الزيج الذي كان له تأثير كبير في تطوير علم الفلك الأوروبي هو جداول توليدان التي جمعتها مجموعة من علماء الفلك المسلمين واليهود في إسبانيا ووضعها ابن الزرقل في صيغتها النهائية حوالي عام 1080 وترجمت إلى اللاتينية بعد فترة وجيزة.
اكتشافات فلكية في العالم الإسلامي:
مع مرور الوقت أصبح من الممكن لعلماء الفلك القيام باكتشافات جديدة بما في ذلك تلك التي اعتمدت على اكتشاف التغيرات البطيئة في السماء، وفي القرن التاسع لاحظ علماء الفلك في بغداد أن ميل مسير الشمس قد انخفض عن القيمة المعطاة في كتاب بطليموس المجسطي، ميل مسير الشمس هو الزاوية بين خط الاستواء السماوي ومدار السرطان، إنه يتوافق مع إزاحة الشمس باتجاه الشمال بين الاعتدال والانقلاب الصيفي ويمكن قياسه عن طريق ارتفاعات الظهيرة للشمس المأخوذة في أوقات رئيسية من السنة.
بين وقت بطليموس واليوم الحالي انخفض انحراف مسير الشمس بنحو ربع درجة، كما لاحظ علماء الفلك العرب أن الفصول تغيرت قليلاً في الطول عن القيم التي سجلها بطليموس، وهذا يعني أن الأوج الشمسي لها حركة بطيئة في الشرق، وبالتالي يمكن اعتبار مركز دائرة الشمس على أنه يدور ببطء شديد حول الأرض، وقد تم تمثيل هذه الحركة في زيج البطاني.
تم انتقاد نظرية الكواكب لبطليموس لكن الخلافات الطفيفة بين جداول بطليموس والملاحظات الفعلية للكواكب لم تلعب دوراً مهماً في هذا النقد، تركز معظم النقد على انتهاك بطليموس للمبدأ الأرسطي لتوحيد الحركات السماوية، وفي حوالي 1000 م انتقد ابن الهيثم نقطة الإيكوانت في شكوك صلاح بألميوس (شكوك حول بطليموس).
كما اعترض ابن الهيثم على عادة بطليموس في تحديد الحركات فيما يتعلق بالنقاط والخطوط غير المادية كما لو كانت أجساماً مادية حقيقية، وقد تم تقديم شكاوى حول اصطناعية إنشاءات بطليموس حتى في أواخر العصور القديمة، وعلى سبيل المثال من قبل الفيلسوف اليوناني بروكلوس في كتابه الفرضي الفلكي للديادوتشي وضع رسم تخطيطي للافتراضات الفلكية.
ألهمت شكوك ابن الهيثم حول نظرية الكواكب البطلمية بعض النمذجة الرياضية الإبداعية لعلماء الفلك في القرن الثالث عشر المرتبطين بمرصد مراغة (الآن في أذربيجان)، وصف نصر الدين العيسى بناء يمكن من خلاله أن تؤدي حركتان دائريتان إلى اهتزاز نقطة ذهاباً وإياباً على طول خط مستقيم، وتضمنت نظريات بطليموس عن عطارد والقمر حركات تذبذبية بدت آلياتها المعيارية موضع شك فلسفياً، وطبق العيسى آليته ذات الدائرتين (التي أطلق عليها العلماء المعاصرون زوج الأسو) لإنتاج نفس الظواهر بطريقة بدت له أكثر منطقية من الناحية الجسدية.
ذهب الشيرازي تلميذ العيسى إلى أبعد من ذلك مستخدماً فلك التدوير الصغير للتخلص من الحاجة إلى نقطة الإكوانت، وفي القرن الرابع عشر بنى ابن الشاطر الدمشقي على أعمال مدرسة مراغة في كتابه نهايات السلطان في الأول (التحقيق النهائي في تصحيح نظرية الكواكب) والتي تميزت أيضاً بإلغاء حركات غير منتظمة لصالح أفلاك التدوير الصغيرة، ومع ذلك فإن هذه الجهود لم تغير الممارسة الشائعة لأن الغالبية العظمى من طاولات الكواكب المتأخرة في العصور الوسطى هي بطلمية في نظريتهم الأساسية.
وفي القرن السادس عشر استخدم نيكولاس كوبرنيكوس نماذج مماثلة لنماذج ابن الشاطر ومدرسة المراغة، كيف جاء بهم غير معروف لكن هناك الكثير منهم لجعل الاكتشاف المستقل موثوقاً به، لم يكن لهذه التحسينات التقنية على بطليموس أية علاقة بفرضية مركزية الشمس، لكنها تُظهر أن كوبرنيكوس كان وريثاً لتقليد المشاركة النقدية مع بطليموس.
علم الفلك خلال القرون الوسطى في أوروبا:
خلال القرون الوسطى في أوروبا انخفض مستوى التعلم العلمي في الغرب اللاتيني إلى مستوى منخفض، ولم يكن أي من الأعمال اليونانية الأكثر أهمية في علم الفلك القديم وعلم الكونيات متاحاً (مثل أعمال أرسطو في السماء وطاقم بطليموس والجداول اليدوية وفرضيات الكواكب)، واستند تدريس علم الفلك إلى عدد من الحسابات اللاتينية منخفضة المستوى، كما احتوى الكتاب الثاني من كتاب بليني الأكبر للتاريخ الطبيعي (التاريخ الطبيعي القرن الأول الميلادي) على ملخص للأمور الفلكية.
وفي القرن الرابع كتب مارتيانوس كابيلا قصيدة مجازية (De nuptiis Philologiae et Mercurii) باسم زواج فقه اللغة وعطارد، وفي الكتابين التمهيديين تم تجسيد فقه اللغة على أنها عذراء وهو متزوج من عطارد إله التعلم، وفي الكتب السبعة التالية تم تجسيد كل من الفنون الليبرالية بما في ذلك علم الفلك كخادمة في فقه اللغة خطوة إلى الأمام لتقديم وصف عن فنها، وحظي زواج مارتيانوس بإعجاب على نطاق واسع في أوائل العصور الوسطى باعتباره خلاصة وافية لكل التعلم المفيد.
في القرنين الثاني عشر والثالث عشر كان هناك تطوران أساسيان لإحياء علم الفلك في الغرب اللاتيني، وأتاحت حركة الترجمة بسرعة الأعمال الرئيسية لعلم الفلك اليوناني التي كانت بعيدة المنال منذ فترة طويلة، وكان جيرارد كريمونا من أهم المترجمين، كما كتب عنه طلابه لاحقاً فقد تعلم كل ما كان معروفاً للاتينيين ولكن من أجل حب المجسطي الذي سمع عنه، ولكنه لم يكن متاحاً في اللاتينية ذهب إلى إسبانيا وتعلم اللغة العربية جيداً بما يكفي لترجمتها.
وهكذا يمكن للمرء أن يؤكد أن السبب الرئيسي لإحياء التعلم في الغرب هو رغبة رجل واحد في أن يكون قادراً على قراءة بطليموس، وترجم جيرارد من النسخ العربية ليس فقط كتاب المجسطي لبطليموس ولكن أيضاً لأرسطو في السماء وعناصر إقليدس ونحو عشرين عملاً آخر في علم الفلك والهندسة، كما أنه في جيل واحد أصبحت معظم الأعمال الرئيسية لعلم الفلك القديم متاحة.
كان التطور المهم الثاني هو تأسيس الجامعات الأوروبية بدءاً من جامعات بولونيا وباريس وأكسفورد، ونظراً لأن علم الفلك برز ضمن الفنون الحرة فقد كان له مكان في المناهج الدراسية الأساسية بالجامعة، وبالطبع كان علم الفلك في مناهج الفنون الحرة في مستوى بدائي.
علم الفلك في الصين خلال العصور الوسطى:
على الرغم من وجود (عظام أوراكل) من أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، والتي تذكر ملاحظات خسوف القمر والشمس بالإضافة إلى ظهور نجم جديد (نوفا)، إلا أن التقارير الفلكية بدأت في التزايد إلى حد ما منذ حوالي 200 قبل الميلاد، كان لعلم الفلك في الصين وظيفة إمبراطورية وكان الإمبراطور يعتبر ابن السماء، وهكذا فإن تنظيم التقويم وكذلك نجاح أو فشل علماء الفلك في التنبؤ بالكسوف وقد انعكس عليه بشكل جيد أو سيئ.
تمت كتابة العديد من الملخصات الفلكية المختلفة بالتزامن مع صعود إمبراطور جديد، وعادةً ما ركزت هذه على التقويم القمري لكنها تضمنت لاحقاً أيضاً جداول للتنبؤ بحركة الكواكب بالإضافة إلى الكسوف، استخدم علم الفلك التنبئي الصيني دورات حسابية متكررة، وبالتالي كان أشبه بعلم الفلك البابلي منه مثل علم الفلك اليوناني، وربما لأن الصينيين كانوا أقل ارتباطاً بالنظريات الكونية وقوانين الطبيعة من الإغريق وخلفائهم الأوروبيين في العصور الوسطى كان علماء الفلك الصينيون مهتمين أكثر بكثير بالأحداث الفردية مثل المذنبات، المستعرات، زخات الشهب، كسوف الشمس، والبقع الشمسية.