ما هي قصة اختراع الشمع؟
صناعة الشموع في الحضارات المختلفة:
غالبًا ما يُذكر أنّ الشموع الأولى تم تطويرها بواسطة قدماء المصريين، الذين استخدموا الكشافات أو المشاعل المصنوعة من خلال نقع اللب من القصب في دهون الحيوانات المُذابة، استخدم المصريون الشموع في 3000 قبل الميلاد، لكن الرومان القدماء يُنسب إليهم عمومًا تطوير صناعة الشموع قبل ذلك الوقت وبدأوا في إنتاج الشموع حوالي 500 قبل الميلاد، عن طريق غمس ورق البردى بشكل متكرر في الشحم الذائب أو شمع العسل، أو باستخدام شمع الشحم المشتق من لحم الأبقار والأغنام وتم استخدام الشموع الناتجة لإضاءة منازلهم، لمساعدة المسافرين في الليل وفي الاحتفالات الدينية.
على الرغم من أنّها واحدة من أقدم مصادر الضوء، إلّا أنّ الشمعة لم تتغير كثيرًا على مر التاريخ، اعتمدت الحضارات على الشموع لآلاف السنين، يتم استخدامها للإضاءة وأحيانًا للتدفئة، هناك أدلة على أنّ أقدم الشموع كانت مصنوعة من دهون الحيتان في الصين خلال عهد أسرة تشين، كانت الشموع يتم وضعها في قوالب ورقية، وجد المؤرخون أدلة على أنّ العديد من الحضارات المبكرة الأخرى طورّت شموعًا باستخدام الشمع المصنوع من النباتات.
فالشموع الصينية المبكرة كانت مصبوبة في أنابيب ورقية، باستخدام ورق أرز ملفوف للفتيل، في اليابان كانت الشموع تُصنع من الشمع المستخرج من الجوز، بينما في الهند، يُصنع شمع الشموع بغلي ثمار شجرة القرفة، حوالي 200 عام قبل الميلاد، تمت تجربة العديد من أنواع الوقود والمواد المستخدمة في صناعة الفتائل، كان يُعد شمع العسل أحد أكثر المواد شيوعًا التي يستخدمها الناس كوقود.
في القرن الأول كان من أحد أشكال صناعة الشموع وهو استخلاصها من الأسماك الذي يسمّى (eulachon)، عند تفريخ تلك السمكة تكون نسبة دهون جسمها عالية وعند تجفيف الدهن، يمكن إشعالها واستخدامها كشمعة، كانت القبائل البدوية أول من صنع الشموع في أوروبا خلال العصر الروماني المتأخر، كانت الشموع التي صنعوها مصنوعة من الشحم النباتي أو الحيواني لأنّ زيت الزيتون (الذي استخدمه الرومان للمصابيح) كان شبه معدوم في المناطق الشمالية من أوروبا.
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، أصبح زيت الزيتون سلعة نادرة في جميع أنحاء أوروبا، ممّا أدّى إلى نقص وقود المصابيح الزيتية والشعلات، تسبب هذا في زيادة الطلب على الشموع عالية الجودة، بعد ذلك بفترة انتشرت الشموع المصنوعة من الشحم عبر أوروبا الغربية، حدث تحسن كبير في العصور الوسطى، عندما تم إدخال شموع شمع العسل في أوروبا، على عكس الشحم الحيواني يحترق شمع العسل بسرعة أكبر، دون أن ينتج لهبًا مدخنًا، تم استخدام شمع العسل على نطاق واسع في احتفالات الكنيسة.
كان الأمر كذلك حتى القرن الثامن عشر عندما بدأ صيد الحيتان حيث أحدث أول تغيير رئيسي في صناعة الشموع منذ العصور الوسطى، فقد وُجد أنّ السائل أو الزيت المتبلور لحوت العنبر يمكن أن يحل محل الشحم لأنّه ينتج ضوءًا أكثر إشراقًا وكان متوفرًا بكميات كبيرة ولا ينتج عنه رائحة كريهة، على عكس دهون الشحم بعد ذلك تم العثور على بعض المواد الأخرى التي لم تشمل صيد الحيتان مثل: زيت السلجم المشتق من اللفت والزيت المصنوع من بذور اللفت.
كانت شموع الشحم هي الشموع المنزلية الشائعة للأوروبيين وبحلول القرن الثالث عشر، أصبحت صناعة الشموع حرفة مهمة في إنجلترا وفرنسا، كان صانعو الشموع يصنعون ويبيعون الشموع الخاصة بهم من متاجر الشموع الصغيرة، قدمت النساء أول مساهمة في أمريكا لصناعة الشموع، عندما اكتشفن أنّ غليان التوت الأخضر الرمادي من شجيرات التوت ينتج شمعًا يحترق دون أي رائحة كريهة ومع ذلك كان استخراج الشمع من التوت أمرًا شاقًا للغاية، نتيجة لذلك سرعان ما تضاءلت شعبية شموع التوت.
التطور في صناعة الشموع:
حدثت معظم التطورات الرئيسية التي أثرت على صناعة الشموع المعاصرة خلال القرن التاسع عشر، في عشرينيات القرن التاسع عشر، اكتشف الكيميائي الفرنسي ميشيل يوجين شيفرويل كيفية استخلاص حمض دهني من الأحماض الدهنية الحيوانية، أدّى ذلك إلى تطوير شمع الإستيارين والذي كان صلبًا ومتينًا ومحترقًا بشكل نظيف، لا تزال شموع (Stearin) شائعة في أوروبا اليوم.
في عام 1834م، ساعد المخترع جوزيف مورجان مقيم في مانشستر حصل على براءة اختراع لآلة سمحت بالإنتاج المستمر للشموع، ساهمت في تعزيز صناعة الشموع الحديثة من خلال تطوير آلة سمحت بالإنتاج المستمر للشموع المقولبة باستخدام أسطوانة بمكبس متحرك لإخراج الشموع أثناء وضعها بالقوالب، مع إدخال الإنتاج الآلي، أصبحت الشموع سلعة ميسورة التكلفة للجماهير، يمكن لآلة (Morgan) أن تنتج ما يصل إلى 1500 شمعة في الساعة.
في خمسينيات القرن التاسع عشر، صقل جيمس يونغ شمع البارافين عن طريق تقطير الفحم، شمع البرافين هو شمع أبيض يحترق بشكل واضح وليس له رائحة كريهة وهو رخيص الثمن لذا يمكن إنتاجه بكميات كبيرة، فبعد أنّ تعلم الكيميائيون كيفية فصل المادة الشمعية التي تحدث بشكل طبيعي عن البترول بكفاءة وتكريرها، كان البارافين نعمة لصناعة الشموع لأنّه كان إنتاجه اقتصاديًا أكثر من أي وقود آخر، بدأت صناعة الشموع في الانخفاض، تم تحسين شمع آخر كان مصنوعًا من الورق والكتان والقنب والقطن.
تمتعت الشموع بشعبية متجددة خلال النصف الأول من القرن العشرين، عندما أدّى نمو صناعات النفط وتعليب اللحوم في الولايات المتحدة إلى زيادة المنتجات الثانوية التي أصبحت المكونات الأساسية للشموع مثل البارافين والحمض الدهني، ظلت شعبية الشموع ثابتة حتى منتصف الثمانينيات، عندما بدأ الاهتمام بالشموع كعناصر زخرفية، ظهرت الشموع فجأة في مجموعة واسعة من الأحجام والأشكال والألوان وبدأ اهتمام المستهلكين بالشموع المعطرة في التصاعد.
شهدت التسعينيات ارتفاعًا غير مسبوق في شعبية صناعة وبيع الشموع ولأول مرة منذ أكثر من قرن، تم تطوير أنواع جديدة من الشموع، في الولايات المتحدة بدأ الكيميائيون الزراعيون في تطوير شمع فول الصويا، كانت الجهود جارية لتطوير شمع النخيل لاستخدامه في الشموع، قطعت الشموع شوطًا طويلاً منذ استخدامها لأول مرة وعلى الرغم من أنّ الشموع ليست مصدرًا رئيسيًا للضوء الآن، إلّا أنّها لا تزال موجودة كعناصر زخرفية ومصدر إضاءة في حالات الطوارئ، فمثلًا عند انقطاع الكهرباء فيتم استخدمها في حال عدم وجود الكشاف الكهربائي.
كما يتم استخدامها للاحتفالات للأعياد الميلاد والطقوس الدينية وفي مناسبات أخرى؛ وكديكور، مع إدخال المصباح الكهربائي في عام 1879م،وكذلك مصابيح الكيروسين، لكن بفضل تطوير الشموع المعطرة بالإضافة إلى إدخال مكونات احتراق جديدة وأنظف مثل زيت الصويا والنخيل وزيت بذور الكتان، عادت الشموع منذ ذلك الحين إلى الظهور واستمرت شعبيتها في النمو.