اقرأ في هذا المقال
- مقدمة تاريخية عن الكتابة
- تاريخ الكتابة ونشأتها
- قصة اختراع الكتابة
- تطور أنظمة الكتابة
- كيف غيرت الكتابة العالم؟
مقدمة تاريخية عن الكتابة
الكتابة: هي المظهر المادي للغة المنطوقة، يُعتقد أنّ البشر طوروا اللغة في 35000 قبل الميلاد، كما يتضح من لوحات الكهوف من (حوالي 50000 إلى 30000 قبل الميلاد)، والتي يبدو أنّها تُعبر عن مفاهيم تتعلق بالحياة اليومية، ومع ذلك فإنّ اللغة المكتوبة لا تظهر حتى اختراعها في سومر، جنوب بلاد ما بين النهرين، حوالي (3500 -3000 قبل الميلاد)، كانت الكتابة المبكرة تسمّى الكتابة المسمارية، وتتألف من عمل علامات محددة في الطين الرطب باستخدام أداة القصب، كان نظام الكتابة عند المصريين مستخدمًا بالفعل قبل ظهور فترة الأسرات المبكرة (3150 قبل الميلاد).
ويُعتقد أنّ نظام الكتابة تطور من الكتابة المسمارية لبلاد ما بين النهرين (على الرغم من أنّ هذه النظرية محل نزاع) وأصبح يُعرف باسم الكتابة الهيروغليفية، إلى نظام الكتابة الفينيقية لليونانيين (“الفينيقية” من اليونانية فونين”للتحدث بوضوح”)، ثم أتوا الرومان فيما بعد من فينيقيا، على الرغم من اختلاف نظام الكتابة الفينيقي عن نظام بلاد ما بين النهرين، إلّا أنّه لا يزال يدين بتطوره إلى السومريين وتطورهم في الكلمة المكتوبة، وبشكل مستقل عن الشرق الأدنى أو أوروبا، تم تطوير الكتابة في أمريكا الوسطى من قبل المايا، مع بعض الأدلة التي تشير إلى تاريخ أقرب إلى 500 قبل الميلاد وأيضًا بشكل مستقل من قبل الصينيين.
تاريخ الكتابة ونشأتها
تطورت الكتابة في الصين من طقوس العرافة باستخدام عظام أوراكل (وهي الكلمة الصينية المستخدمة في العصور القديمة) إلى 1200 قبل الميلاد، ويبدو أنّه نشأ أيضًا بشكل مستقل حيث لا يوجد دليل على انتقال ثقافي في هذا الوقت بين الصين وبلاد ما بين النهرين، تضمنت الممارسة الصينية القديمة للعرافة علامات النقش على العظام أو الأصداف التي تم تسخينها بعد ذلك حتى تشققه، ثم يتم تفسير الشقوق بواسطة (Diviner)، بمرور الوقت، تطوّرت هذه النقوش إلى النص الصيني، التاريخ يكون فهمه مستحيلاً بدون الكلمة المكتوبة حيث يفتقر المرء إلى السياق الذي يمكن فيه تفسير الأدلة المادية من الماضي القديم.
الكتابة تسجل حياة الناس ولذا فهي الخطوة الأولى الضرورية في التاريخ المكتوب لثقافة أو حضارة، أحد الأمثلة الرئيسية على هذه المشكلة هو الصعوبة التي واجهها علماء أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين في فهم حضارة المايا، من حيث أنّهم لم يتمكنوا من قراءة الحروف الرسومية للمايا وبالتالي فسروا بشكل خاطئ الكثير من الأدلة المادية التي قاموا بالتنقيب عنها، يعتقد المستكشفون الأوائل لمواقع المايا، أنّهم وجدوا دليلاً على حضارة مصرية قديمة في أمريكا الوسطى.
قصة اختراع الكتابة
اخترع السومريون الكتابة لأول مرة كوسيلة للاتصال عن بعد والتي كانت ضرورية عن طريق التجارة، ومع صعود المدن في بلاد ما بين النهرين، والحاجة إلى الموارد التي كانت تفتقر إلى المنطقة، تطورت التجارة البعيدة ومعها الحاجة إلى القدرة على التواصل عبر المساحات بين المدن أو المناطق، كان أول شكل من أشكال الكتابة هو الصور التوضيحية، “الرموز التي تمثل الأشياء”، حيثُ ساعدت في تذكر أشياء مثل طرود الحبوب التي ذهبت إلى الوجهة أو عدد الأغنام اللازمة لأحداث مثل القرابين وهو مكان للعبادة، تم طبع هذه الصور على الطين الرطب الذي تم تجفيفه.
بعد ذلك، أصبحت هذه السجلات الرسمية للتجارة، نظرًا لأنّ البيرة كانت مشروبًا شائعًا جدًا في بلاد ما بين النهرين القديمة، فإنّ العديد من السجلات القديمة الموجودة تتعلق ببيع البيرة، باستخدام الصور التوضيحية، يمكن للمرء أن يخبرنا عن عدد الجرار أو أحواض البيرة التي تم تضمينها في المعاملة ولكن ليس بالضرورة ما تعنيه تلك المعاملة، كما يشير المؤرخ كريوازيك، كل ما تم ابتكاره حتى الآن كان أسلوبًا لتدوين الأشياء والعناصر والأشياء، وليس نظام الكتابة، من أجل التعبير عن مفاهيم أكثر تعقيدًا من المعاملات المالية أو قوائم العناصر، كان من الضروري وجود نظام كتابة أكثر تفصيلاً.
وقد تم تطوير هذا في مدينة أوروك السومرية، وعلى الرغم من أّن الصور التوضيحية لا تزال قيد الاستخدام، فقد أفسحت المجال للتسجيلات الصوتية، وهي ” نظام الرموز التي تمثل الأصوات”، باستخدام التسجيلات الصوتية يمكن للمرء أن ينقل المعنى الدقيق بسهولة أكبر، في السابق كان لدى المرء صور ثابتة فقط في الصور التوضيحية التي تظهر أشياء مثل الأغنام والمعابد، ومع تطور التسجيلات الصوتية، أصبح لدى المرء وسيلة ديناميكية لنقل الحركة من وإلى الموقع، في حين أنّه في الكتابة السابقة (المعروفة باسم الكتابة المسمارية الأولية) كان المرء مقصورًا على قوائم الأشياء، يمكن للكاتب الآن أن يشير إلى أهمية هذه الأشياء.
تطور أنظمة الكتابة
تشترك أنظمة الكتابة التي تطورت بشكل مستقل في الشرق الأدنى والصين وأمريكا الوسطى، في استقرار ملحوظ، كل منها محفوظ على مدى آلاف السنين يتميز بخصائص نماذجها الأصلية، يمكن إرجاع الخط المسماري لبلاد الرافدين إلى أبعد ما يكون في عصور ما قبل التاريخ إلى نظام العد الألف الثامن قبل الميلاد باستخدام الرموز الطينية ذات الأشكال المتعددة، يكشف التطور من الرموز إلى النص أنّ الكتابة ظهرت من الحساب والمحاسبة، تم استخدام الكتابة حصريًا للمحاسبة حتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، عندما مهد الاهتمام السومري بالآخرة الطريق للأدب باستخدام الكتابة للنقوش الجنائزية.
يوثق التطور من الرموز إلى النص أيضًا تقدمًا ثابتًا في البيانات المجردة، من المراسلات الفردية مع الرموز الملموسة ثلاثية الأبعاد، إلى الصور ثنائية الأبعاد، واختراع الأرقام المجردة والعلامات الصوتية المقطعية، وأخيرًا التجريد النهائي للصوت والمعنى مع تمثيل الصوتيات بأحرف الأبجدية، الكتابة هي التقنية الرئيسية للبشرية لجمع المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها وإيصالها ونشرها، لا يزال غامضًا كيف ظهرت الرموز والحروف الرسومية التي استخدمها الأولمك، الذين ازدهرت ثقافتهم على طول خليج المكسيك حوالي 600 إلى 500 قبل الميلاد.
في فن المايا الكلاسيكي والكتابة من (250-900) ميلاديًا في ثقافات أمريكا الوسطى الأخرى (ماركوس 19929، أقدم النقوش الصينية هي مؤرخة في عهد أسرة “شانغ” 1400-1200 قبل الميلاد، تتكون من نصوص أوراكل منقوشة على عظام حيوانات وأصداف سلحفاة، حيثُ تشير العلامات التجريدية والموحدة للغاية إلى تطورات سابقة، وهي غير موثقة حاليًا.
من بين أنظمة الكتابة، والتي أقدمها الخط المسماري لبلاد الرافدين، الذي تم اختراعه في سومر، العراق حاليًا، يمكن تتبعه دون أي انقطاع على مدى 10000 سنة، من فترة ما قبل التاريخ إلى الأبجدية الحالية، ينقسم تطورها إلى أربع مراحل:
- أولاً: تم استخدام الرموز الفخارية التي تمثل وحدات السلع في المحاسبة (8000 – 3500 قبل الميلاد).
- ثانياً: تم تحويل الرموز المميزة ثلاثية الأبعاد إلى علامات تصويرية ثنائية الأبعاد، وتم استخدام النص التصويري حصريًا للمحاسبة (3500 – 3000 قبل الميلاد).
- ثالثاً: العلامات الصوتية، التي أدخلت لنسخ أسماء الأفراد، حيثُ شكلت نقطة التحول عندما بدأت الكتابة تحاكي اللغة المنطوقة ثم أصبحت قابلة للتطبيق في جميع مجالات الخبرة البشرية.
- رابعاً: الكتابة مع عشرين حرفًا، حيثُ كل حرف منها يمثل صوتًا واحدًا، ثم أتقنت الأبجدية فن نقل الكلام.
كيف غيرت الكتابة العالم؟
إنّ أهمية الكتابة تتجلى في نقل المعرفة، فكل معرفتنا السابقة عن العلماء في مختلف العصور قد وصلتنا من خلال الكتابة؛ حيث تعرّف الإنسان على كل ما قام العلماء بتطويره واختراعه وابتكاره عن طريق الكتابة، فوصلتنا مختلف كتابات علماء اليونان مثل سقراط وأفلاطون، كما قد توصلنا لكتب التراث والعلوم المختلفة، مثل: كتاب القانون في الطب لابن سينا، وكتاب المناظر لابن الهيثم، وغير ذلك الكثير من الكتب المهمة والمفيدة التي غيرت العالم.
من الكيمياء إلى الطب، فقد أثرت الكتابة على عالم الصحة بعدة طرق، سواء كانت الصحة الجسدية أو العقلية؛ هناك فوائد عديدة لكتب التاريخ والأدب، على سبيل المثال عادةً ما يتمتع الكتّاب المبدعون بقدرات معرفية وتحليلية عالية، وذلك لأنّ الكتابة ستساعدك في التفكير، مما يؤدي ذلك إلى تحسين اللباقة والذاكرة، وأكثر من ذلك فهناك العديد من الأطباء والمختصين في الزراعة والمجالات المختلفة، ذلك لأنّ الكتب القديمة قد أوضحت بالتفصيل الخصائص العلاجية لكل ما يتعلق بتلك المجالات.
تُعد قوة الكلمات متجذرة بعمق في الإقناع، مثال على ذلك الإعلانات وفكرة تسويقها من خلال استخدام الكلمات المعبرة بشكل أكثر تحديدًا، الكلمات المكتوبة بشكل جميل هي قوة للتغيير في المجتمع الحالي حيث تصبح الكلمات أكثر أهمية، عندما يفهم المغزى المطلوب من وراء فهمه على وجه التحديد، وساهمت الكتابة أيضاً بتدوين تاريخ الأمم والشّعوب؛ فالكتابة أثرت بشكل مباشر في كتابة وتدوين أهم ما كان عبر التّاريخ من أهم الأحداث التي حصلت في الماضي، فكانت الكتابة وما زالت من صور رقي وتقدم الشعوب في العصور المختلفة.
من أهم فوائد الكتابة أنّها تعمل على خلق جيل متعلم، كثير من الناس لديهم مؤلفون مفضلون، وقد يكون ذلك نتيجة لأسلوب كتابتهم أو حكمتهم، ابتكر هؤلاء الكتاب سلسلة من الإرشاد الذي يجذب المعجبين إلى اتباع نمط حياة مشابه، من السهل جدًا استيعاب الكلمات وتقليد التعاليم الواردة فيها بوعي، أثرت الكتابة بأشكالها العديدة على العالم بشكل إيجابي، إنّ الكتابة تتجاوز كل جوانب حياتنا، وبالتالي يتم تشجيع الجميع على تسخير مهارات الكتابة لديهم ليكونوا قادرين على المنافسة في المجتمع.