اقرأ في هذا المقال
- قصة اكتشاف الضوء
- تاريخ الإغريق والعصور القديمة مع الضوء
- الفترة الإسلامية وأشهر العلماء الذين طوروا نظريات حول الضوء
قصة اكتشاف الضوء
أثناء تتبع تاريخ الأفكار التي شكلت فهمنا للطبيعة وخصائص الضوء، من اللافت للنظر تمامًا أن نرى كيف يمكن للمرء تقريبًا تقسيم المناطق الجغرافية، حيث تقدمت الأفكار البشرية خلال فترة زمنية معينة تليها انحلال وتهيئة العصور المظلمة، إنّ تاريخ الضوء يقسم إلى أربعة عصور متميزة، حيثُ كانت الفترة الأولى، التي كان مركزها في البداية في أثينا ثم الإسكندري، ملكًا لليونانيين، امتدّ هذا العصر من حوالي 800 قبل الميلاد حتى حوالي 200 م، يبدو أنّه لم يتم تقديم أي شيء ذي أهمية في فهمنا للضوء بين عام 200 بعد الميلاد وحتى حوالي 750 بعد الميلاد عندما عرض المسلمون أفكارهم بخصوص الضوء.
العهد الثاني ينتمي إلى الحضارة الإسلامية، ومركزها بغداد وقرطبة، عندما دمر الغزو المغولي المركز الشرقي لبغداد عام 1258، وحدث الاضمحلال في وسط قرطبة الغربي، بدأت الحقبة الثالثة في أوروبا حوالي القرن الرابع عشر عندما بدأت أوروبا في العصور الوسطى التي انزلقت إلى عصر مظلم بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في متناول الأوروبيين، مما ساعد على بدء العصر المجيد للثورة العلمية في الغرب، بدأ العصر الأخير مع فجر القرن العشرين الذي افتتح ليس فقط بنظريات جديدة وثورية للفيزياء ولكن أيضًا بثورة في تكنولوجيا الاتصالات، وقد ساعد هذا في جعل العلم والبصريات أمرًا في غاية الأهمية.
تاريخ الإغريق والعصور القديمة مع الضوء
ازدهرت الحضارة اليونانية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وامتدت من أثينا في اليونان إلى الأناضول وسوريا ومصر من العصر القديم في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد وحتى حوالي 200م، أنتجت هذه الحضارة أعلى مستوى من الذكاء في العديد من فروع الفكر الإنساني مثل الرياضيات والفلسفة والأخلاق وعلم الفلك، من خلال مجرة المفكرين، مثل أرخميدس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وإقليدس وبطليموس وجالينوس، حيث تركوا بصمة دائمة على الحضارة الإنسانية، إنّ إرثهم الأكثر ديمومة هو التمهيد لاكتشاف الضوء ابتداءً من هؤلاء العلماء العمالقة.
كانت الدراسات الأولى المتعلقة بالضوء تتعلق بفهم الرؤية، يمكن أن تُعزى الدراسات المبكرة حول طبيعة الضوء والرؤية إلى التقاليد اليونانية والهيلينستية، أنتجت الفترة اليونانية، التي امتدت من العصر القديم حتى حوالي 320 قبل الميلاد وتمركزت في أثينا، العديد من الأفكار المبكرة حول الرؤية من خلال أعمال ديموقريطس وإبيقور وأفلاطون وأرسطو، بعد وفاة الإسكندر انتقل المركز إلى الإسكندرية حيث أسس بطليموس الأول، سلالة جديدة استمرت حتى الفتح الروماني لمصر في القرن الأول قبل الميلاد، في هذه الفترة الهلنستية استمرت التقاليد المجيدة للمعرفة اليونانية في مجال الضوء والرؤية من خلال أعمال إقليدس وبطليموس وجالينوس.
تحاول نظرية الرؤية شرح كيف ندرك الأشياء، القريبة والبعيدة، وشكلها وحجمها ولونها، تُنسب الدراسات المنهجية الأولى للرؤية إلى علماء الذرات الذين قللوا من كل إحساس، بما في ذلك الرؤية، إلى تأثير الذرات من الجسم المرصود على جهاز المراقبة، على سبيل المثال، اعتقد ديموقريطوس أنّ الصورة المرئية لم تظهر مباشرة في العين، ولكن الهواء بين الجسم والعين يتقلص ويختتم بالشيء المرئي والعين المراقبة، يحتوي الهواء المضغوط على تفاصيل الكائن ويتم نقل هذه المعلومات إلى العين، اقترح أبيقور أنّ الذرات تتدفق باستمرار من الجسم إلى العين، لكن الجسم لا يتقلص لأنّ الجسيمات الأخرى تحل محل الفراغ وتملأه.
بسبب أفلاطون وأتباعه، دعوا إلى أنّ الضوء يتكون من أشعة تنبعث من العين، يسمح ضرب الأشعة على الكائن للمشاهد بإدراك أشياء مثل لون الكائن وشكله وحجمه، بدأت رؤيتنا من خلال مد أعيننا للأفق ثم تلاها اللمس أو الشعور بشيء على مسافة، هذا هو جوهر نظرية الانبعاث للضوء التي من شأنها أن تكون مؤثرة لما يقرب من 1000 عام حتى يثبت ابن الهيثم بشكل قاطع أنّها خاطئة، يُعتبر إقليدس، بطل الإسكندرية وبطليموس إقليدس هو والد الهندسة، وضع كتابه (Elements) أسس النهج البديهية للهندسة وهو أحد أكثر الكتب تأثيراً على الإطلاق، يتبع عمله في البصريات نفس منهجية العناصر ويعطي معالجة هندسية للموضوع.
يؤمن إقليدس بالانبساط وتأسست نظريته في الرؤية على الفرضيات التالية:
- تتباعد الأشعة المستقيمة التي تنطلق من العين إلى أجل غير مسمى.
- الشكل الذي تحتويه مجموعة الأشعة المرئية هو مخروط يكون رأسه في العين والقاعدة على سطح الكائن المرئي.
- تُرى تلك الأشياء التي تسقط عليها الأشعة المرئية ولا تُرى تلك الأشياء التي لا تسقط عليها الأشعة البصرية.
- تبدو الأشياء التي تُرى تحت زاوية أكبر أكبر، وتبدو الأشياء الواقعة تحت زاوية أصغر أصغر، وتبدو تلك الموجودة تحت الزوايا متساوية.
- تظهر الأشياء التي تراها الأشعة المرئية العليا أعلى، والأشياء التي تراها الأشعة المرئية السفلية تظهر في الأسفل.
- إنّ الأشياء التي تراها الأشعة إلى اليمين تظهر أبعد إلى اليمين، والأشياء التي تراها الأشعة أبعد إلى اليسار تظهر أبعد إلى اليسار.
- الأشياء التي تُرى تحت زوايا أكثر تُرى بشكل أكثر وضوحًا.
الفترة الإسلامية وأشهر العلماء الذين طوروا نظريات حول الضوء
بنى المسلمون حضارة في القرن الثامن استمرت لعدة قرون وساهمت في جميع جوانب المعرفة البشرية تقريبًا، بنى المسلمون مجموعة معرفية من خلال التعلم أولاً ثم التوسع في التقاليد القديمة، وخاصة اليونانية بدورها ستوفر الأساس لظهور الحضارة الغربية الحديثة، يُعتبر بيت الحكمة أكاديمية علمية ومكتبة عامة حيث كُتب من جميع أنحاء الإمبراطوريات القديمة وتمت وترجمتها إلى اللغة العربية، وشملت هذه النصوص القديمة من الهندواليونان وبلاد فارس في مجالات الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والطب والبصريات (الضوء).
بحلول عام 850، كان لدى بيت الحكمة أكبر مستودع للمخطوطات في عصره، تدريجيًا تحول هذا المركز إلى مركز أبحاث وارتبط به العديد من الأسماء الشهيرة للعصر الذهبي الإسلامي، ومن بين هؤلاء جابر بن حيان الذي يعتبر أب الكيمياء، والكندي الذي يعتبر أول فيلسوف مسلم، وأهمها هو ابن الهيثم (865 – 1040) الذي يعتبر أبو البصريات، يُعد الكندي أول من أجرى دراسات جادة في البصريات ونظرية الرؤية، اتبع الكندي تقاليد إقليدس، واستمر في ذلك بطليموس وآخرون حيث استخدمت الإنشاءات الهندسية لشرح الظواهر مثل الرؤية والانعكاس والانكسار والظلال والمرايا المحترقة.
تبع عمل الكندي في القرن العاشر الرازي والفارابي اللذان بدءاً بالاعتراض على نظرية انبعاث الضوء، حيثُ تم طرح سلسلة من الحجج القوية ضد فكرة النار المرئية حوالي 1000 من قبل ابن سينا العظيم، وجادل بأنّ النار المرئية لا يمكنها الوصول إلى الأشياء البعيدة حيث سيتعين عليها ملء مساحة هائلة في كل مرة نفتح فيها أعيننا، كما جادل بأنّ الأشعة المنفصلة لإقليدس قد تترك مساحات كبيرة من جسم بعيد غير مرئي.
العالم ابن سهل مطور نظريات البصريات والضوء
برع ابن سهل في البصريات وكتب أطروحة عن احتراق المرايا والعدسات ناقش فيها خصائص التركيز للمرايا المحترقة، كما قدم تحليلاً لكيفية انحناء العدسات الزجاجية الزائدة وتركيز الضوء، قدم حجة هندسية تستند إلى قانون الجيب للانكسار، يعتبر هذا إنجاز كبير ويظهر إلى أي مدى تقدم المسلمون في الرياضيات البحتة والتطبيقية وكذلك البصريات بحلول نهاية القرن العاشر، ومع ذلك يبقى السؤال حول كيف يمكن أن يظل هذا الاكتشاف الكبير مهملاً لعدة قرون، التفسير المعقول هو أنّ ابن سهل لم يذكر قانون الانكسار صراحة، بدلاً من ذلك تم إخفاؤه وكان تركيزه على خاصية تركيز العدسات.
ابن الهيثم أبو البصريات الحديثة وفلسفته في الضوء
أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (965 – 1040)، المعروف ابن الهيثم هو شخصية مركزية في العلم، غالبًا ما يوصف بأنّه أعظم عالم فيزيائي بين أرخميدس ونيوتن، كان أول شخص اتبع المنهج العلمي والمراقبة المنهجية للظواهر الفيزيائية وعلاقتها بالنظرية، وبالتالي حصل على لقب أول عالم من بين الكثيرين، أهم إسهاماته في علم البصريات هو كتابه “كتاب المنذر” الذي اكتمل حوالي عام 1027، كان هذا الكتاب أول معالجة شاملة للبصريات وموضوعات مغطاة مثل طبيعة الضوء والفسيولوجية، كان لهذا الكتاب أكثر تأثيرًا في الانتقال من الأفكار اليونانية حول الضوء والرؤية إلى بصريات العصر الحديث.
تُرجم كتاب البصريات لابن الهيثم إلى اللاتينية في نهاية القرن الثاني عشر، وسيظل الكتاب الأكثر تأثيرًا في البصريات، أثبت ابن الهيثم النظرية الراسخة لإقليدس وبطليموس بأنّ الضوء نشأ من العين على أنّه خطأ وأظهر أنّ الضوء نشأ من مصادر الضوء، لقد فعل ذلك من خلال إجراء تجربة بسيطة في غرفة مظلمة حيث تم إرسال الضوء من خلال فتحة بواسطة فانوسين مثبتين على ارتفاعات مختلفة خارج الغرفة، يمكنه بعد ذلك رؤية بقعتين على الحائط تقابلان أشعة الضوء التي نشأت من كل فانوس تمر عبر الفتحة الموجودة على الحائط.
عندما غطى فانوس واحد، اختفت البقعة المضيئة المقابلة لذلك الفانوس، وهكذا توصل إلى أنّ الضوء لا ينبعث من العين البشرية، ولكنه ينبعث من أشياء مثل الفوانيس وينتقل من هذه الأشياء في خطوط مستقيمة، بناءً على هذه التجارب، اخترع أول كاميرا ذات ثقب (كان كيبلر يستخدمها ويطلق عليها اسم الكاميرا الغامضة في القرن السابع عشر)، وشرح سبب قلب الصورة في الكاميرا ذات الثقب رأسًا على عقب، لم تقتصر نظرية ابن الهيثم في الرؤية على وصف أشعة الضوء الصادرة من الأجسام والتي تدخل العين، لقد فهم أيضًا أنّ تفسير الرؤية يجب أن يأخذ في الاعتبار العوامل التشريحية والنفسية.