الأطفال الجنود في ظل القانون الدولي الإنساني

اقرأ في هذا المقال


الأطفال الجنود في ظل القانون الدولي الإنساني:

يشكل الأطفال نسبة كبيرة من المجتمع البشري، فكل من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر يعتبر طفلاً. وبسبب ظروفهم وصغر سنهم، فإنهم أكثر عرضة للاستغلال من غيرهم. والاستغلال يعود بالفائدة على هؤلاء الأطفال على حساب حقوقهم الرئيسية ومن أبرز مظاهر الاستغلال تجنيدهم في النزاعات المسلحة.

وأصبحت مشاركة الأطفال في الحروب ظاهرة شائعة في أجزاء كثيرة من العالم؛ لأن الحكومات والمنظمات غير الحكومية تستخدم الأطفال لإجبارهم على المشاركة في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات غير الدولية، وتدريبهم على القتل أو استخدام معدات وأدوات النقل الخاصة بهم للمشاركة في النزاعات المسلحة، أو جمع المعلومات عن المعارضين مقابل الضروريات الأساسية من الملبس والمأوى والطعام لتلبية احتياجاتهم.

ونظراً لاستمرار تزايد هذه الحادثة، فقد تضمن القانون الدولي الإنساني أحكاماً ينظم الوضع القانوني للأطفال المقاتلين، ويحدد الحماية الممنوحة لهم والواجب المفروض على أطراف النزاع لضمان حقوق هذه الفئة من المجتمعات.

وبالتالي، يجب أن تكون الدول الأطراف أكثر شدة في النزاعات المسلحة غير الدولية منها في النزاعات المسلحة الدولية. وينطبق هذا الحكم أيضًا على الجماعات المتمردة التي تستفيد أكثر من غيرها من الأطفال في النزاعات المسلحة غير الدولية.

حظر تجنيد الأطفال في القانون الدولي الإنساني:

إن فكرة منع مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة ليست من نتاج العصر الحديث وليست راجعة إلى مثقفي الغرب وحدهم، بل إن هذا المبدأ ينطلق من التقاليد الراسخة في العادات الإسلامية والإنسانية المطبقة في الحروب أيضًا. ومع انتشار ظاهرة استخدام الأطفال في الحروب وخاصة الحروب غير الدولية، ثبت أن أسبابها تعود إلى ثلاثة أقسام رئيسية ألا وهي:

  • الأسباب الاجتماعية: مثل الانتماء القبلي، وإبداء الولاء للقبيلة على الانتماء للوطن والشعور بالاختلافات الاجتماعية، وكذلك تعميق قضية الانتقام في ثقافة العشائر ذات التسويات الحكومية الضعيفة والملاحقات القضائية، بالإضافة إلى انتشار الأمية.
  • أسباب اقتصادية: تكمن في التفاوت بين الأغنياء والفقراء والسيطرة على العناصر القبلية ذات المفاتيح الاقتصادية المؤثرة، وسيطرة القبائل الأخرى والعشائر الصغيرة في الألعاب الاقتصادية، فضلاً عن انتشار تجارة الأسلحة الآلية والاستحواذ عليها.
  • الأسباب السياسية: تلعب دورًا مهماً في تجنيد الأطفال من خلال استغلالهم إما من قبل الجماعات المسلحة من جهة أو من قبل الحركات المتمردة من جهة أخرى، بالإضافة إلى ضعف الإرادة الأخلاقية للحركات المتمردة والجماعات المسلحة وأنشطتها، وعدم الامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني، وأخلاقيات القتال وصعوبة ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال.

وكل هذه الأسباب وضعت الطفولة في وضع أمني شائك، خاصة بعد زيادة دور الأطفال في النزاعات المسلحة. وأمام هذا الواقع المؤلم، وجد المجتمع الدولي ذاته مضطرًا للتدخل لوضع نهاية لهذه الظاهرة؛ لأنه يتجاهل الإنسانية من خلال منح الأطفال المساهمة في الحروب وتعريض عيشهم للخطر، بدلاً من حمايتهم من ويلاتها.

وعليه، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بصفتها منظمة دولية محايدة ومستقلة، قد اضطلعت بمهمة توفير الحماية والمساعدة لضحايا الحرب المدنيين والعسكريين على حد سواء.

وفي عام 1971، بعد اكتشاف أن اتفاقيات جنيف لعام 1949 لم تكن كافية لحل مشكلة الأطفال المحاربين، أعدت اللجنة تقريرًا مهمًا تضمن آراء حول استمرار تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة وأدى إلى عمليات قتل في ساحات المعارك في العقدين الماضيتين، حيث أسفر عن قتل نصف مليون طفل دون سن الخامسة عشر.
وفي عام 1971، أثارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذا الموضوع في اجتماع لخبراء حكوميين لإعادة إثبات وتطوير قواعد القانون الدولي المطبقة أثناء النزاع المسلح الأول.

وفي اجتماع دبلوماسي لإعادة التأكيد ووضع القانون الإنساني المطبق أثناء النزاع المسلح الذي عقده المجلس الفدرالي السويسري بين عامي 1974 و 1977، حيث تمت مناقشة البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف، وتم تقديم المسودتين من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذين المشروعين في صيغتهما النهائية، مع مراعاة نتائج المناقشات في مؤتمر الخبراء الحكوميين في جنيف عامي 1971 و 1972.

بعد المناقشات المكثفة التي تغيرت خلال مؤتمر جنيف الدبلوماسي في دوراته الأربع، نجحت هذه الجهود لأول مرة في وضع البروتوكولين الذين أصدرهما المؤتمر في 10 يونيو 1977، الذين أكدا على الحظر الكامل والقاطع لمشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة.

حظر تجنيد الأطفال في ضوء بروتوكولات جنيف لعام 1977:

تنص المادة 77 من البروتوكول الإضافي الأول الخاص باتفاقية جنيف على ما يلي: “التزام أطراف النزاع باتخاذ جميع الإجراءات الممكنة؛ لضمان عدم مساهمة الأطفال من لم يبلغ الخامسة عشرة من العمر بشكل مباشر في النزاعات المسلحة، وعلى هذه الأطراف على وجه الخصوص، الامتناع عن تجنيد هؤلاء الشباب في قواتها المسلحة، وعلى أطراف النزاع في حال تجنيد من بلغ سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا سن الثامنة عشرة يجب أن يجتهدوا لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنًا”.

ويجب على الدول الأطراف في النزاعات المسلحة الدولية أو النزاعات المسلحة غير الدولية، ألا تسمح بتجنيد أطفالها في القوات المسلحة الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، بل ينبغي حتى يتم تجنيد الأطفال يجب أن لا تقل أعمارهم عن 15 عامًا للمساهمة في القوات المسلحة. ويجب على الدول المتحاربة إعطاء الأولوية لتجنيد الأطفال الأكبر سناً، وبمعنى آخر، يجب تجنيد الأطفال البالغين من العمر 17 عامًا قبل سن 16، وهكذا.

ومن خلال استقراء مضمون المادة 77 من البروتوكول الإضافي الأول، نستنتج أنها تنص على حظر التورط المباشر للأطفال في النزاعات المسلحة، أي حظر المشاركة في حمل السلاح فقط، بينما نجد أن نص المادة 4 من أعطى البروتوكول الإضافي الثاني للأطفال حماية أوسع، وهو ما انعكس في الحظر المطلق لمشاركة الأطفال في أي من العمليات الحربية بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي تشمل بالإضافة إلى العمليات القتالية، إجراءات أخرى، مثل نقل الذخيرة والإمدادات ونقل وتداول الأوامر والاستطلاع وجمع المعلومات، والقيام بعمليات تخريبية والقيام بأنشطة التجسس والاستخبارات.

ويعتبر القانون الدولي الإنساني أنه من غير الطبيعي أن يشارك الأطفال في النزاعات المسلحة. ومع ذلك، قد يتم انتهاك هذا الحظر فمن خلال وضعهم في الحرب، فمن الواضح أن هذا ينتهك مبادئ الإنسانية بالإضافة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
والقانون الدولي الإنساني لم يعرّف “الأطفال الجنود” ولذلك، فإننا نستمد التعريف الذي اعتمدته منظمة اليونيسف، والذي يعُرف الأطفال الجنود بأنهم جميع الأشخاص دون سن 18 عضو في القوات المسلحة الحكومية أو الجماعات المسلحة، بغض النظر عما إذا كانوا في حالة نزاع مسلح، بشكل منتظم أو غير نظامي، أو لديهم صلات بهذه القوات.

شارك المقالة: