الاختصاص القضائي في منازعات العقود الإدارية

اقرأ في هذا المقال


الاختصاص القضائي في منازعات العقود الإدارية

تناول مجلس الدولة السورية لعام 1959 في مادته (10) مسألة الفصل في المنازعات المتعلقة بعقود الإدارة، بالإشارة إلى (الفصل في المنازعات المتعلقة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد). ويتم الفصل في العقد الإداري من قبل المحكمة الإدارية وحدها من هذا النص يتضح لنا. ولم يحدد المشرع السوري مفهوم العقد الإداري، إلا أنه حدد العقود التي يختص مجلس الدولة بالفصل فيها على أساس التمثيل، أما في العراق فقد تم وضعها بين الدول التي تبنت النظام القضائي الموحد رغم ذلك. ومحاولات عديدة لتأسيس قضاء إداري على غرار ما هو معمول به في فرنسا.

والتي تعود في الأصل إلى الوقت الذي كان فيه العراق تحت الاحتلال العثماني، إلا أن كل هذه المحاولات لم تنجح في إخراج العراق من دائرة القضاء الموحد للتدخل في إطار القضاء الإداري حتى ولادته بنجاح مع الإصدار. والتعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 رقم 106 لسنة 1989، والذي أصبح نافذاً عام 1990. وفي هذا الوقت، أصبح العراق من الدول التي اعتمدت القضاء الإداري كقضاء مستقل. وهيئة مختصة بالنظر في المنازعات الإدارية. واستناداً إلى المادة (7) من القانون، تم إنشاء محكمة القضاء الإداري وهي من أهم ثمرات القانون والتي تشكلت بناءً على اقتراح مقدم من رئاسة مجلس الشورى وتم تشكيل هذه المحكمة. توم تشكيلها على نفس نمط محكمة القضاء الإداري المصري.

إذا أوضحنا الاختصاص المحدد للنظر في منازعات العقود الإدارية، فستظهر مسألة دقيقة ومهمة للغاية وهي حقيقة أن مقاول الإدارة غير كفء أو ناقص. وفي هذه الحالة، يجب على محكمة الموضوع التوقف عن النظر في النزاع الإداري، والنظر في القضية متأخرة، وإحالة الدفع إلى المحاكم المدنية وفقًا لأحكام المادة 83 فقرة 1 المرافعات العراقية والمادة 129 من المرافعات المدنية والتجارية المصرية. وفي هذه الحالة، يجب على المحكمة أن تمنح الخصوم موعدًا آخر لاستصدار حكم حاسم في القضية المطروحة.

ما لم تجد أن هذه الدفعة ليست مهمة، ويعتبر العراق من بين الدول التي تتبنى العدالة الإدارية، لكن المحاكم المدنية لا تزال هي الجهة المختصة بالنظر في منازعات العقود الإدارية، مع إمكانية الطعن في هذه الأحكام أمام محكمة النقض. ويعتبر الاختصاص الموضوعي للنظر في منازعات العقود الإدارية من الأمور التي يجب على الباحث الوقوف أمامها لإزالة الستار عنه، ووضعه أمام القارئ من أجل الانعكاس على القضاء الإداري بكامل تقسيمه وتسليمه. وتحدد من خلاله الاختصاص للنظر في منازعات العقود الإدارية. الاختصاص الكامل أو التعويض يعني أن قاضي العقد مختص بالنظر في أصل النزاع وكل تلك الفروع منه بناءً على قاعدة (القاضي الأصلي هو قاضي الفرع).

لذلك يجد نفسه مضطرًا للفصل في كل ما يتعلق بالعملية التعاقدية، بدءًا من الإجراء الأول في تكوينه وانتهاءً بتصفية جميع الحقوق والالتزامات الناشئة عنه. لذلك، فهو اختصاص شامل لجميع الخصومات التي قد تنشأ عن العقد الإداري بمجرد توفر حقيقة العقد الإداري، بغض النظر عما إذا كانت تتعلق بإبرام العقد أو صلاحيته أو فعاليته. ويعتبر إلغاء القرارات الإدارية منفصلة عن العقد وجميع الإجراءات المتعلقة بالعقد الإداري، حيث أنها من العناصر المتفرعة عن النزاع الأصلي، طالما أن الحق الأصلي لم يسقط بنهاية المدة.

وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية في القضية رقم 1109. وضحت أن: ((يساوي أن الخلاف اتخذ شكل قرار إداري، وهذه الصورة لا تؤخذ ما دام الخلاف يحتوي على حقيقة العقد الإداري، ثم الخلافات على القرارات الإدارية الصادرة بناء على يقع العقد في نطاق العقد الإداري، حيث أنه نزاع حقوقي وقابل للطعن على أساس استعداء اختصاص القضاء بكامله دون إلغائه). تمتد سلطة القاضي الإداري إلى مراقبة شرعية التصرف دون التطرق إلى مدى ملاءمته، على عكس اختصاص القاضي في دول القضاء الموحد وهو المختص بالنظر في شرعية السلوك ومدى ملاءمته إلى الحد. أن صلاحيات القاضي توصف بأنها سلطة رئاسية، حيث أنه يصدر الأوامر للموظف بالقيام بالعمل أو الامتناع عنه.

أما بالنسبة للعراق فنجد ان القضاء يعالج النظر في شرعية العمل وصلاحيته. وله تعديل القرار الإداري سواء كان أمام القضاء الإداري أو في مجلس شورى الدولة وهما هيئتان إداريتان قضائيتان. الجدير بالذكر أن العملية التعاقدية عملية معقدة تمر بمراحل تبدأ من الإجراءات الأولية التي تسبق إبرام العقد مثل قرار إعلان العطاء وقرار ترسية العطاء وقرار اللجنة، كل من هذه القرارات منفصل عن العقد الإداري ومن ثم إذا كان أي منها معيبًا، فإنه يجعل طرفًا ثالثًا (أجنبيًا من العقد) مهتمًا بالطعن في الإلغاء أمام قاضي الإلغاء ولكن لن يكون مقاول الإدارة قادرًا على اتخاذ هذا المسار؛ لأنه سيواجه طعنًا موازيًا معروفًا في فرنسا.

إذا افترضنا أن للمقاول الحق في اللجوء إلى قاضي الإلغاء، فسيتعين عليه مراجعة قاضي العقد للترتيب لإلغاء آثاره ونتائجها. ولذلك عليه فقط إنهاء الأمر بمراجعة قاضي العقد أولاً للتخلص من هذه الازدواجية، لكنه يستعيد حقه في إلغاء القرار غير القانوني المنفصل عن العقد أمام قاضي الإلغاء، إذا استوفى شرط المصلحة، إذا كان استئناف المقاول لا يستند إلى وضعه كمقاول مع الإدارة ولكن كمواطن عادي، فهو مثل باقي الأفراد. كأن الإدارة استخدمت سلطة الضابطة الإدارية لغرض إصدار قرارات تمس حقوق المتعاقد مع الإدارة.

مجلس الدولة الفرنسي

عمل مجلس الدولة الفرنسي على التمييز بين حالتين:

  • الأولى: هي أن تصدر الإدارة قرارها وفق الشروط الواردة في دفاتر الشروط الخاصة، فلا يتوجب على متعاقد الإدارة سوى مراجعة القضاء.
  • ثانياً: إذا أسست الإدارة في اتخاذ قرارها على القوانين والأنظمة الواردة في دفاتر الشروط العامة، فعلى المقاول أن يلجأ إلى إجراء الإلغاء. تظل مسألة ترتيب التأثير على إلغاء القرار الإداري المنفصل موضع خلاف، خاصة إذا علمنا أن مجلس الدولة الفرنسي أشار إلى أن إلغاء القرار الإداري المنفصل لن يؤثر على العقد الإداري، حيث يظل العقد ساري المفعول، إنتاج آثاره. ومع ذلك، في حالة التزام أحد طرفي العقد بالإلغاء أمام قاضي العقد، يجوز لهذا الأخير أن يحكم بإلغاء العقد قبل إلغاء القرار المنفصل.

وقد تبنى مجلس الدولة المصري هذا المبدأ في أحد قراراته. وقد انتقد بعض الفقهاء هذا الموقف، خاصة أنه من غير المعقول أن يُلغى قرار ترسية العطاء مع بقاء العقد ساري المفعول. وأن إلغاء القرار المنفصل عن العقد من شأنه التأثير على العقد بشكل ما بحيث يؤدي إلى العدم، على ما يقال (ما بني على باطل). أما العراق، فعلى الرغم من كونه من الدول التي تبنت مؤخرا العدالة الثنائية، فقد عمل على منح القاضي الصلاحية التي تمكنه من ممارسة الاختصاص القضائي الكامل، يمكنه إلغاء القرارات والأوامر غير القانونية الصادرة عن الإدارة وكذلك منح تعويض للمدعي نتيجة الضرر الذي لحق به من عمل الإدارة.

أما بالنسبة لنطاق العقود الإدارية، فنجد أن مشرعنا قد عمل على تقييد اختصاص محكمة العدل الإدارية عن طريق إزالة نزاعات العقود الإدارية من اختصاص تلك المحكمة، وتركها للاختصاص القضائي للمحاكم العادية. ولعل الدافع لذلك هو عدم تحديد فكرة العقد الإداري بشكل يميزه عن العقد المدني، على الرغم من استبعاد نزاعات العقد الإداري من اختصاص القضاء الإداري من قبل مشرعنا.


شارك المقالة: