نظرًا لأن العقد الإداري هو عمل قانوني باتفاق، فإنه يرتب الحقوق والالتزامات على كلا الطرفين، لكن وضع الإدارة أعلى من حالة المقاول بسبب الشروط الاستثنائية الواردة في العقد، مما أدى إلى تحديد حق المتعاقد مع الإدارة في اللجوء إلى القضاء كحق دستوري لممارسة حقه والدفاع عن وضعه.
قواعد الاختصاص القضائي في ميدان العقود الإدارية
يمكن لأي شخص لديه مصلحة على الرغم من كونه أجنبيًا في العقد أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بإلغاء إجراءات الإدارة المتعلقة بالعقد، ليس كأطراف في العقد ولكن كمستفيدين ومستخدمين للخدمات. للمرفق العام مكان العقد. إنهم يستمدون حقوقهم ليس من العقد نفسه ولكن من التشريعات واللوائح.
لا يتدخل القاضي الإداري من تلقاء نفسه في شؤون المقاولين حتى لو خالفت الإدارة التزاماتها التعاقدية، حيث أن تدخله يتوقف على إقامة الدعوى سواء من قبل المقاول مع الإدارة أو من قبل مسؤول، وإن المحاكم الإدارية تسند الاختصاص إلى المحاكم الإدارية في حالة القضاء الشامل أو محكمة الإلغاء، وتعرف العدالة الشاملة بأنها القضاء الذي يخول القاضي تصفية النزاع بشكل كامل، وإلغاء الأحكام المخالفة للقانون إن وجدت، ثم ترتيب نتائجها كاملة من وجهة نظر إيجابية أو سلبية.
والتعديل التشريعي الخاص بالإدارة العامة والمعروف هو الحكم بإلغاء قرار معيب، دون أن يوجه إلى الإدارة محددة بعمل أو امتناع، وقد استعدت القوانين الإدارية الخاضعة لشرعية مشروعية حتى سنة 1984، ثم أبعدها مجلس الدولة عن مجال مغلق لتندرج بعد ذلك ضمن القضاء الشامل.
حيث كان الاستبعاد عامًا ولم يشمل العقد فحسب، بل شمل أيضًا القرارات الفردية مثل قرار الترخيص والشهادة وهو أساس الاتفاقية، فبمجرد إبرام العقد، يعتبر مجلس الدولة أن هذه القرارات مدمجة فيه و لا تقبل طعون الإلغاء، وقد برر القضاء موقفه لسببين:
- الأول: وجود دعوى موازية بسبب الطابع الاحترازي لدعوى الإلغاء التي كانت من اختصاص مجلس الدولة، بينما تختص مجالس المحافظات بباقي القضايا الإدارية.
- ثانيًا: احترام الحقوق المكتسبة، فبمجرد إبرام العقد يصبح نهائيًا ولا يمكن الطعن فيه بالإلغاء حيث أن العملية أوجدت حقوقًا مكتسبة لأطراف العقد، لكن مجلس الدولة تراجع عن موقفه عند بداية القرن العشرين لتطبيق نظرية القرارات المنفصلة لتشمل القرارات الصادرة في المرحلة الأولية وأثناء إبرام العقد وتنفيذ العقد.
على هذا الأساس تمكن القضاء الإداري تدريجياً من تحديد الأفعال التي يمكن الطعن فيها بالإلغاء في إطار العقود الإدارية، والتمييز بين الأفعال ذات الطابع التعاقدي والأفعال ذات الطابع الأحادي، حيث يمكن الطعن في هذا الأخير من خلال إلغاء، يبقى أن نلاحظ أن القاضي الإداري قبل اتخاذ قرار بشأن موضوع النزاع، يجب أن يقرر أولاً في القضايا الأولية، إن وجدت.
من كلا الجانبين من القضاء عادي أو إداري عند التعامل مع الفصل في نزاع يقع بالفعل ضمن اختصاصه، نزاع يتعلق بمسألة أولية لا يمكن الفصل فيها إلا بعد حل هذه القضية الأولية، في هذه الحالة يجب على السلطة القضائية تعليق الفصل في الأمر وإحالته إلى السلطة القضائية الأخرى للحصول على حكم في القضية الأولية.
على سبيل المثال في نزاع حول عقد قانون خاص قد يكون تقييم مشروعية قرار إداري أثيرت أمام المحاكم العادية، أو أثناء نزاع على عقد إداري، يمكن إثارة قضية تتعلق بحق الملكية أو قواعد الميراث قبل الانقلاب الإداري.
في المثال الأول إذا اعتبرت المحكمة العادية أن النزاع المثار هو مسألة أولية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بموضوع الدعوى، فإنها تحيلها إلى القضاء الإداري، في المثال الثاني يحيل القضاء الإداري القضية الأولية إلى السلطة القضائية المختصة قبل الفصل في الأمر.
وبعد البت في القضايا الأولية، تنشأ مشكلة حول السلطة المختصة في النزاع الناتج عن العقود الإدارية والحدود بين الشرعية والاختصاص القضائي الشامل في هذا النوع من النزاعات دفعنا هذه المشكلة إلى تحديد صلاحيات القاضي الإداري في مجال عدالة الإلغاء.
وفي الخاتمة تعتبر منازعات العقود الإدارية منازعات القضاء العالمي، حيث لا يمكن كمبدأ عام، الطعن في الإلغاء، حيث أن نطاق الإلغاء في نطاق منازعات العقود الإدارية محدود للغاية ولا يتعلق إلا بطرف ثالث، ولعل سبب ذلك لا يمكن لدعوى الإلغاء أن توجه طرح العقود؛ لأن أحد شروط قبولها هو وجود قرار إداري وهو تعبير عن إرادة الإدارة الفردية، بينما العقد إجماع على وصيتين.
وأنه في مجال عدالة الإلغاء لا يمكن الاعتماد على مخالفة الإدارة لالتزاماتها التعاقدية كأحد الأسباب التي تسمح بطلب إلغاء القرار الإداري، مطالبة الإلغاء هي عقوبة لمبدأ الشرعية والالتزامات الناشئة عن العقود الإدارية هي التزامات شخصية.