ما هي أساس إلزامية قواعد القانون الدولي العام؟
يشير أساس القانون الدولي العام إلى الأساس الذي تستند إليه القواعد القانونية في الحصول على قوتها الإلزامية، ويختلف الفقهاء في تحديد هذا الأساس. في هذه الحالة ظهر مذهبان، المذهب الإرادي والمذهب الموضوعي، بالإضافة إلى أن المدرسة السوفيتية بدت وكأنها تحاول تحديد الأساس الذي من خلاله تلزم قواعد القانون الدولي العام.
والتمييز بينهما على أساس كل منهما، بين تحديد دور إرادة الدولة المنفردة أو إرادة الدول مشتركة، وبين عوامل أخرى خارج نطاق الإرادة، والصراع الطبقي بين المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية (الشيوعية) الداخلية والدولية.
المذهب الإرادي:
المذهب الإرادي: يتضمن نظريتان النظرية الأولى مذهب إرادة الدولة المنفردة والنظرية الثانية إرادة الدول مجتمعة. وهذا المذهب نشأ في ألمانيا، يدّعي أن الدول تتمتع بالسيادة وليس لها سلطة أعلى منها، لذلك فإن القانون الدولي ما هو إلا مجموعة من القواعد التي تنسق إرادة هذه الدول.
ويعتقد أنصار هذا المذهب أن إرادة الدولة المعلنة أو الضمنية هي الأساس لمراعاة قواعد القانون الدولي العام؛ والقانون الداخلي هو نتيجة إرادة الدول الفردية؛ أما بالنسبة للقانون الدولي، فإنه إرادة الدول المجمعة، أي أن هذه النظرية تقوم على فكرة أنّ القانون الدولي العام قائم على إرادة الدولة. وينقسم هذا المذهب الى نظريتين هما:
نظرية إرادة الدولة المنفردة (التقيد الذاتي للإرادة):
حيث إنّ الدول لها سيادة وليس لها سلطة أعلى منها. لذلك، فإن الدولة هي دولة تلتزم من جانب واحد بالقانون الدولي، ولا يفرضها أحد على ذلك. وعندما تتعارض إرادة الدولة مع القانون الدولي العام، فيجب تطبيق القانون إرادة الدولة، لأن مكانة الدولة فوق كل المبادئ القانونية.
وقد تم توجيه انتقادات لهذه النظرية وهذه الانتقادات هي:
1- هذه النظرية تناقض المنطق، لأن مهمة القانون هي حصر الإرادة، فكيف يستمد القانون خصائصه الملزمة من إرادة من ينفذ حكمه؟
2- بما أن الدولة تلتزم طواعية بالقانون، يمكن التحلل من القانون بإرادتها، وهذا هو الانهيار القسري للقانون الدولي العام.
نظرية الإرادة المشتركة:
يرتكز القانون الدولي العام على هذه النظرية، وهي نتيجة الإجماع الذي توصلت إليه إرادة الدولة، وبالتالي فإن إكراهها مستمد من الإرادة الجماعية المشتركة، والإرادة الجماعية أكبر من الإرادة الخاصة للبلد أو الإرادة الفردية الدولية.
وقد تم توجيه انتقادات لهذه النظرية وهذه الانتقادات هي:
1- إرادة هذه النظرية هي تجاوز إرادة الدولة في إقامة سلطة أعلى، حيث يمكن إشباع إرادة الدولة مرة أخرى للتخلص من التزامات القانون الدولي.
2- هذه النظرية لا توضح لنا لماذا تلتزم الدول التي دخلت المجتمع الدولي مؤخرًا بقواعد القانون الدولي حتى لو لم تشارك طواعية في صياغة القانون الدولي.
المذهب الموضوعي:
المذهب الموضوعي: يتضمن أيضاً نظريتان النظرية الأولمذهب تدرج القواعد القانونية والنظرية الثانية مذهب الحدث الاجتماعي. كما يبحث هذا المذهب عن أساس قانوني يتجاوز نطاق إرادة الإنسان. ووفقًا لهذا المذهب، يتم تحديد الأساس القانوني من خلال عوامل خارجة عن السيطرة. على الرغم من اتفاق مؤيدي هذه المدرسة، إلا أنهم يختلفون في تحديد العوامل الخارجية التي تترجم القواعد القانونية إلى نظريتين وهما:
نظرية تدرج القواعد القانونية:
وُضعت هذه النظرية المدرسة النمساوية، ووفقًا لهذه النظرية، أن لكل نظام قانوني قاعدة أساسية تستند عليها، وبالتالي يكون لها قوتها الملزمة. لذلك، تُنسب القواعد القانونية إلى قواعد قانونية أخرى فوقها، ويستند الأخير على قواعد أعلى. لذلك يتخذ القانون شكل هرم، وفي مقدمته قاعدة أساسية تكتسب منها جميع القواعد قوة الإلزام، وهذا هو الأساس للتوصل إلى اتفاق والوفاء بقدسية الاتفاقية، وهو أيضًا أساس الامتثال لأحكام وقواعد القانون الدولي.
وقد وُجه له انتقادات وهذه الانتقادات هي:
1- يقوم على التخيل والافتراضات، ولأنه يفترض قواعد أساسية، فإن المدرسة النمساوية لا تكشف عن مصدرها أو قوتها القسرية أو سبب وجودها.
2- إذا قبلنا بوجود القاعدة الأساسية، فيجب أن تقوم على أساس أسمى ممّا هي عليه، ولم يقترح مؤيدو النظرية هذا الأساس.
نظرية مذهب الحدث الاجتماعي:
تم إحضاره من قبل الفقيه الفرنسي دوركهايم، تبعه دوجي، ويشير إلى أن أساس كل قانون هو حدث اجتماعي. فهو يفرض نفسه على كل مجموعة ويصبح قاعدة قانونية عندما ينتشر إحساسها بوجودها، وأن القاعدة ملزمة لأن الجماعة استسلم الأعضاء لها من أجل الحفاظ على بقائهم.
وقد وُجهت لها عدة انتقادات وهذه الانتقادات هي:
1- أساسها فلسفي، لأن الأحداث الاجتماعية لا يمكن أن تكون أساس القانون، لأن المجتمعات البشرية تسبق القوانين القائمة.
2- الفرق بين القواعد الاجتماعية والقواعد القانونية هو أن وجود القاعدة الأولى له الأسبقية على القاعدة الثانية، وبالتالي لا يمكن اعتباره أساسًا للواجبات التي تحددها القواعد القانونية السارية.
نرى أن بين الفقهاء اختلافات كبيرة على أساس القوة الملزمة للقانون الدولي العام ، لكن الرأي العام يدعم مبدأ الطوعية، الذي يقوم على الموافقة الصريحة أو الضمنية للدول العامة ويخضع للقانون الدولي العام. اللوائح، تم إثبات ذلك من قبل محكمة العدل الدولية الدائمة. ومع ذلك، فإن هذا الرأي يضعف أساس الأساس القانوني الحالي. وبالمثل، نظرًا لوجود قواعد لم توافق عليها بعض الدول أو تساهم في إنشاءها الوطني، فمن الصعب الحديث عن إرادة الدولة الراسخة، ممّا يضعف أساس القانون الدولي ويثير الشكوك حول وجود القانون الدولي ويسهل تفكيكه.
وبغض النظر عن وجهة النظر التي يتم تبنّيها، فإن هذا الموضوع يأتي من إطار القانون الوضعي، الذي يتضمن ضرورة البحث ووجود قواعد تنظم العلاقة بين الناس.