التسوية السلمية للنزاعات الدولية:
إن التسوية السلمية للنزاعات الدولية في الوقت الحالي ليست بالشيء الجديد، ولكن جذورها متجذّرة بعمق في تأثير الأفكار التي تحتويها وتؤدي بها إلى حياة منظّمة، لأن كل مجموعة تميل إلى السعي وراء حل لمنازعاتها. في هذا الصدد، يعتقد تود (أستاذ في جامعة أكسفورد) أن هناك العديد من الدلائل على العلاقات الدبلوماسية بين مصر القديمة ومملكتي آشور وبابل ودول أخرى، لذلك فهو يدحض اعتقاد الآخرين وما يظنه الآخرون بأن تاريخ النظام القضائي الدولي بدأ في اليونان. وعلى أي حال، كما نعلم جميعًا، فإن الوسيلة القضائية لحل النزاعات القانونية هي التحكيم الدولي واللجوء إلى القضاء الدولي أي (محكمة العدل الدولية)، وفيما يلي عرض الطريقتين بإيجاز.
الوسائل القضائية لتسوية النزاعات الدولية:
لتسوية النزاعات الدولية وحلها قضائياً تم وضع الحلول الآتية: التحكيموالقضاء الدولي (محكمة العدل الدولية):
أولاً- القضاء الدولي:
توجد اليوم محاكم دولية على الصعيدين العالمي والإقليمي، ومحكمة العدل الدولية هي المساعد القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وفي نصف القرن الماضي، مارست سلطتها القضائية بين الدول وارتفعت عدد الفتاوى بشكل كبير، بناءً على طلب من المنظمات الدولية، والقاعدة العامة لمحكمة العدل الدولية هي، أن اختصاصها القضائي طوعي (اختياري)، ولا يمكن اشتقاق الولاية القضائية دون موافقة الأطراف بطرق مختلفة.
تتكون محكمة العدل الدولية من أشخاص ذوي أخلاق عالية وعددهم (15 قاضياً) ممّن تتوفر لديهم المؤهلات المطلوبة في بلدهم. ولمحكمة العدل الدولية اختصاصان، الأول إفتائي والثاني قضائي، والاختصاص الإفتائي يسمى الاختصاص القضائي أو الاختصاص الاستشاري. أما مسألة لجوء الدول العربية إلى محكمة العدل الدولية، فحكمت المحكمة في نزاع الجرف القاري بين ليبيا وتونس. كما حكمت في النزاع الحدودي البحري بين قطر والبحرين.
يوجد أيضاً محاكم قضائية غير محكمة العدل الدولية وهي محاكم إقليمية، أهمها محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة حقوق الإنسان الأمريكية واللجنة القضائية للدول العربية المصدرة للنفط، وقد أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي محكمة إسلامية. وفي مؤتمر روما الدبلوماسي عام 1998، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المجرمين الدوليين.
ثانياً- التحكيم الدولي:
على الرغم من أن القدماء يعرفون بالفعل فكرة حل بعض النزاعات من خلال التحكيم، فإن الشرائع السماوية تشجع أيضًا على اللجوء إلى هذه الوسيلة، فعلى سبيل المثال، يذكر القرآن العديد من الآيات في هذا الصدد، بما في ذلك قوله تعالى (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا).
يعتبر التحكيم الدولي من الأساليب القضائية القديمة المستخدمة في العلاقات الدولية لحل النزاعات، ويمكن لمحكمة التحكيم سماع جميع النزاعات، بغض النظر عن طبيعته، ويمكن للقانون الدولي أن يحدد السياسة أو الخلافات السياسية أو المنازعات القانونية والعسكرية وغيرها. والتحكيم الدولي: هو وسيلة لحل النزاعات بين كيانين قانونيين دوليين أو أكثر، بناءً على الأحكام الصادرة عن المحكّم أو مجموعة من المحكّمين المختارين من قبل الدول المتنازعة أو المناطق المتنازعة.
أما بخصوص التحكيم الدولي، فهناك محكمة تحكيم دولية دائمة، وهي في الحقيقة ليست محكمة مؤلفة من محكمين، على العكس من ذلك، يتم اختيار أعضاء هذه المحكمة من قائمة الدول التي تشكلها الدول عند الحاجة، ويتفق الطرفان على اختيار المحكّم. وهي على استعداد لحل النزاعات المعروضة عليهم في المقر الرئيسي في مدينة لاهاي. وفي حالة فشل الطرفين، يتم تشكيل المحكمة وفقًا للنظام الخاص المنصوص عليه في الاتفاقية، أي أن يعين كل طرف محكمًا واحدًا ويختار المحكمان محكّم فيصل بينهم.
يتم اتباع القواعد الأساسية العامة للدفاع أمام التحكيم القضائي والدولي، سواء كان ذلك في التحكيم القضائي أو في التحكيم الدولي، بسبب الاختلافات بين الاثنين، ومن أحدث الأمثلة على اللجوء إلى التحكيم في القضايا العربية، التحكيم بين مصر والكيانات الصهيونية التي جرت بالقرب من طابا وانتهت لصالح مصر، وسيادة جزر حنيش اليمنية بين اليمن وإريتريا. ويعتقد كثير من الفقهاء أن المعاهدة التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1794 قررت فيها تشكيل لجنة لحل الخلافات بين البلدين، وهي أول منظمة قانونية حديثة لحل النزاعات الدولية عن طريق التحكيم.
إن المبدأ الأساسي للتسوية القضائية، سواء كان تحكيمًا أو اللجوء إلى العدالة الدولية، هو إرادة الدولة وقبول الدول هو الأساس والشرط الأساسي لأي تسوية قضائية، وقد أُقر هذا المبدأ من قبل محكمة العدل الدولية الدائمة.