عملية غسل الأموال في القانون التجاري:
غسل الأموال: هي إخفاء حقيقة الأموال المتأتية من طريقة غير مشروعة، عن طريق تصديرها أو إيداعها في بنوك دول أخرى، أو تحويل إيداعها، أو توظيفها أو استثمارها في أنشطة مشروعة؛ أي أنها عملية مالية تهدف إلى إخفاء المصدر غير المشروع للأموال ومنحها مكانة الشرعية.
وتُعدّ جريمة غسيل الأموال من الجرائم الجديدة التي نتجت عن التطور العلمي الهائل في مختلف المجالات، فالعلم دائمًا سيف ذو حدين، والمجرمون مثل غيرهم يحاولون دائمًا الاستفادة من التطور العلمي، ولكن بطريقة غير طبيعية تخدم جرائمهم ومصالحهم، والحقيقة أن التطور العلمي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل النقل، وكذلك التطور في مجال الأنظمة المصرفية والمالية، ونمو حجم النشاط التجاري، وتحرير الأسواق وتدويلها؛ ممّا ساعد في ظهور ظاهرة غسيل الأموال واعتبرها من الظواهر الإجرامية المثيرة للقلق على مستوى العالم.
فارتبطت ظاهرة غسيل الأموال عند ظهورها بالأموال المتأتية من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، واستخدم مصطلح غسيل الأموال لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في إطار مصادرة الأموال الناتجة عن جرائم المخدرات، كما كان اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فيينا عام 1988، لأول شخص يتعرض لأشكال من غسيل الأموال، على الرغم من أنها لم تعتمد هذا المصطلح بشكل واضح.
لكن فيما بعد، لم تعد جريمة غسل الأموال تتعلق بالأموال الناتجة عن جرائم المخدرات فقط، بل كانت تتعلق بجميع الأموال المتأتية من أنشطة غير مشروعة، على سبيل المثال: التهريب، الفساد، اختلاس الأموال العامة، التهرب الضريبي، تزوير العملة وغير ذلك من الأمور التجارية غير القانونية والأنشطة التجارية التي من شأنها أن تدر الأموال القذرة.
جريمة غسل الأموال في القانون التجاري:
اهتم المشرع الفرنسي بإصدار قانون خاص بغسيل الأموال رقم 392 لسنة 1996، حيث حدد بموجبه عقوبة غسل الأموال البسيط والشديد. كما أصدر المشرع الأمريكي قانونًا لمكافحة غسيل الأموال عام 1996، عرض فيه طبيعة النشاط وصورته وعقوباته. وفي مصر لم يهتم المشرع حتى الآن بإصدار قانون يعالج جريمة غسيل الأموال بشكل مباشر، ولكن هناك بعض القوانين التي يمكن تطبيقها في هذا المجال، مثل الكسب غير المشروع 62 لعام 1975، والنائب العام الاشتراكي في قانون رقم 34 لسنة 1971.
ومن الدول العربية التي اهتمت بهذا الأمر دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصدرت القانون الاتحادي رقم 4 لعام 2002 بشأن تجريم غسل الأموال.
واهتم المشرع التجاري بجريمة غسل الأموال، وإيمانا بخطورة هذه الجريمة، حيث أصدر المرسوم التشريعي رقم 59 الصادر في 9/9/2003، والقاضي عمل بمنع غسل الأموال، وتضمن هذا المرسوم 17 مادة حددت فيها مفهوم غسل الأموال والأموال غير المشروعة (المادة الأولى) والجرائم التي تنتج عنها الأموال غير المشروعة وتشكيل هيئة مكافحة غسل الأموال واختصاصاتها وصلاحياتها المادة.
كما حددت الأفعال التي تشكل جريمة غسل الأموال المادة (2)، وإجراءات التحقيق والإفصاح عن مصادر الأموال المشتبه بأنها ناتجة عن أنشطة غير مشروعة (المادة 7)، وعقوبات ارتكاب أو الشروع في جريمة غسل الأموال، وعقوبة الجاني والشريك والفاعل والمحرض عقوبات أصلية (السجن) من ثلاث سنوات إلى ست سنوات وغرامة مالية، ومصادرة الأموال الناتجة عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من المرسوم، كالعقوبات الإضافية (مثل إلصاق الحكم ونشره).
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة غسل الأموال تقع في صميم القسم الخاص من قانون العقوبات التجارية، ومن ناحية أخرى، غالبًا ما تتجاوز هذه الجريمة حدود دولة واحدة، كما أنها تقع أيضًا في مجال دراسات القانون التجاري، وأخيراً، لا يمكن معرفة مدى البعد الاقتصادي لجريمة غسيل الأموال، وتعتبر من الجرائم الاقتصادية المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية غير المشروعة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست فقط الجهود المبذولة لمكافحة غسيل الأموال، ولكن هناك العديد من التوصيات التي تمت الموافقة عليها من قبل مؤتمرات مكافحة الجريمة، مثل تلك الصادرة عن مؤتمر مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في نابولي عام 1994، والمؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بالقاهرة عام 1995.
وبالمثل، أصدرت الولايات المتحدة في عام 1995 القانون تجاري النموذجي من أجل منع ظاهرة غسيل الأموال، حيث وضع القانون التجاري أساسيات محددة من أجل مع استخدام النظام المالي في كل دولة من أنشطة غسيل الأموال، وحدد الإجراءات الواجب اتباعها من أجل التحقيق في مصدر الأموال المشكوك في شرعيتها، ودعا إلى تطوير الأنظمة القانونية القديمة لمكافحة غسيل الأموال، وضرورة معالجة مشكلة الدول التي ليس لديها قوانين لمكافحة غسيل الأموال.