مبدأ استمرارية المرفق العام الإداري

اقرأ في هذا المقال


تلعب المرافق العامة دورًا رئيسيًا في المجتمع، مهما كان موضوع نشاطها، وهذا يتطلب أن يقدموا خدماتهم للجمهور بشكل مستمر، فلا يمكن تصور على سبيل المثال أن يتوقف القضاء الإداري عن الفصل في المنازعات أو أن يتوقف جهاز الأمن عن أداء وظائفه، أو منشأة الدفاع.

مبدأ استمرارية المرفق العام الإداري

إذا توقفت إحدى الوكالات وغيرها فسيؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر جسيم بالمصلحة العامة وحقوق الأفراد، حتى لفترة قصيرة، لذلك أجمع الفقهاء الإداريين على أن استمرارية المنفعة العامة من المبادئ الرئيسية التي تحكم عمل المرافق العامة.

كان من الضروري للدولة ليس فقط إنشاء المرافق العامة الإدارية، ولكن السعي الى حماية المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها القانون الإداري، وعلى الرغم من أن المشرع غالبًا ما يتدخل لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، إلا أن تقريره يفعل ذلك، ولا تحتاج إلى نص تشريعي؛ لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تتطلب الاستمرارية والانتظام.

ويقتضي مبدأ الاستمرارية توافر عدد من الضمانات التي يعمل على تنفيذها في الواقع، وإحدى هذه الضمانات يقرّها المشروع ومنها ما أقره القضاء الإداري، وتظهر هذه الضمانات في عملية التنظيم للممارسة، والحق في تقديم الاستقالة، وممارسة الحق في عمل الإضراب وسَنّ قواعد مخصصة لحماية الضمانات التشريعية من خلال:

1- تنظيم ممارسة الحق في الإضراب

يقصد بالإضراب أن يقوم الموظفين العامّين في المرافق العامة الإدارية عن الامتناع عن إنجاز أعمالهم أو الامتناع عن القيام به لمدة محددة، كوسيلة لجعل الإدارة تلبي مطالب مهنية أو اجتماعية. وللإضراب عواقب وخيمة للغاية على عمل المنشأة العامة وقد تتجاوز عواقبه الإضرار بالحياة الاقتصادية والأمن في الدولة، ولا يوجد موقف موحد من الإضراب ومدى حظره. هناك بعض الدول التي تمنح بذلك على مدى ضيق، لكن معظم الدول تحظره وتعاقبه لضمان استمرارية المرافق العامة.

والقيود على ممارسة الحق في الإضراب قد تؤدي إلى عواقب وخيمة تضر بالمستفيد في المقام الأول، لذلك يجب على المشرع أن يسعى للسيطرة على ممارسة حق الإضراب بقيود إجرائية، تمنع تعسف الكيان المسؤول عنه ويمكن للمشرع أن لأسباب موضوعية تمنع ممارسة هذا الحق في قطاعات معينة ويمكن تلخيص أهم هذه القيود على النحو التالي:

  • عقد اجتماعات دورية: من أجل منع الخلافات الجماعية التي قد تسود داخل الإدارات العامة، حيث يجب عقد اجتماعات دورية بين ممثلي العمال وممثلي الإدارة العاملة، بهدف عرض المشكلات المثارة وإيجاد حل لها كآليات لمنع الخلافات الجماعية.
  • عرض المنازعات على جهات الوصاية: إذا اختلف الأطراف في حل المسائل المدروسة أو بعضها، فعلى مندوبي العمال عرض أهم قضايا الخلاف على الجهات الإدارية المختصة على مستوى الدولة.
  • إحالة النزاع إلى مجلس الخدمة العامة المتساوي الأعضاء: تخضع لسلطة مسؤولة عن الخدمة العامة، وهي: جهاز من مصالحها في مجال منازعات العمل.
  • إشعار مسبق: هي فترة محددة لا تقل عن ثمانية أيام يتم الاتفاق عليها عن طريق التفاوض بين أطراف النزاع وينتج عن إنهائها الدخول في إضراب، وقد طلب القانون تقديم إشعار إضراب مع الموظف وإخطار مفتشية العمل.
  • اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الممتلكات: لا يعني الإضراب هجرًا جماعيًا للإدارة العاملة ومواقع العمل، ولكن من الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على ممتلكات الإدارة المستخدمة وذلك بتطبيق المبدأ من الاستمرارية.
  • ضمان الحد الأدنى من الخدمة: وهو تجسيد لمبدأ العمل المنتظم والمستمر للمنفعة العامة.

2- تنظيم ممارسة حق الاستقالة

إذا كان للموظف الحق في الاستقالة من وظيفته بالمصلحة العامة، فلا يحق له المغادرة والتخلي عن أداء واجباته فجأة كما يشاء وبدون إجراءات، وفي محاولة لضمان استمرارية المرافق العامة، نص قانون التوظيف العام على مجموعة من القيود والشروط التي تحكم الاستقالة، على النحو التالي:

  • تقديم طلب استقالة مكتوبًا إلى سلطة التعيين.
  • يظل الموظف ملزماً بأداء الواجبات المتعلقة بواجباته حتى صدور قرار قبول الاستقالة في غضون 3 أشهر قابلة للتمديد لفترة إضافية تصل إلى 6 أشهر كحد أقصى.
  • اعتبار إنهاء الخدمة فجأة ودون مراعاة الإجراءات القانونية خطأ مهنيًا جسيمًا نتيجة إهمال الوظيفة.

ويبدو أن الحكمة في الاعتراف بالاستقالة كحق هي أن إجبار الموظف على العمل في المؤسسة المستخدمة ضد إرادته يشكل شكلاً من أشكال المساس بحرية العمل، وهو أمر معترف به الآن في التشريعات الحديثة الأخرى.

والاعتراف صراحة بأن الاستقالة هي حق للموظف لممارستها في إطار القانون ويجب على الموظف تقديم مكتوب يعبر فيه عن رغبته في قطع علاقة العمل المرسل عبر السلم الإداري إلى السلطة المخولة بذلك يعين، ويشترط أن يستمر في أداء عمله حتى صدور القرار، وعند قبول الاستقالة، لا يلزم هناك مجال للتراجع.

3- عدم جواز الحجز على أموال المرافق العامة

خلافًا للقاعدة العامة التي تجيز الحجز على أموال المدين الذي يرفض سداد ديونه، لا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة، وفاءً للديون المقررة للغير في مواجهة ما ينتج عن ذلك من تعطيل الخدمات التي يؤدونها. ولكي تؤدي المرافق العامة وظائفها استجابة لطلبات الجمهور، فقد منح المشرع حصانة خاصة ومتميزة لممتلكات وأموال الإدارات العامة سواء كانت حماية مدنية أو جنائية.

  • الحماية الجنائية: يفرض قانون العقوبات عقوبات صارمة على كل مخالفة لأموال وممتلكات المرافق العامة خاصة إذا كانت ذات أهمية للاقتصاد الوطني.
  • الضمانات القضائية: قدم القضاء الإداري مساهمة كبيرة في إظهار النظريات التي تخدم مبدأ حسن سير المنشأة بشكل منتظم وثابت، وهذا واضح بشكل خاص.

نظريات مبدأ استمرارية المرفق العام الإداري

هناك في نظريات مبدأ استمرارية المرفق العام الإداري نظرية الظروف الطارئة ونظرية الموظف الفعلي، وفيما يلي شرح لكل نظرية:

نظرية الظروف الطارئة

تفترض نظرية الظروف الطارئة أنه في حالة وقوع حوادث تحدث بشكا استثنائي عامة وغير متوقعة بعد توقيع العقد وخلال تنفيذه خارجة عن إرادة المقاول، والتي من شأنها أن تؤدي إلى خسائر غير عادية وإرهاق للمقاول مع الإدارة، فإنه يجوز للإدارة أن تتفق مع المقاول على تعديل العقد وتنفيذه بطريقة تخفف من إرهاق المقاول، ويتحمل بعض عبء هذا الإرهاق إلى الحد الذي يمكن فيه للمقاول الاستمرار في تنفيذ العقد، وفي حالة عدم حدوث هذه الاتفاقية يجوز للسلطة القضائية منح المقاول تعويضًا نسبيًا.

وتم إنشاء هذه النظرية من قبل مجلس القضاء الدولي، والتي تمت الموافقة عليها من خلال الخروج عن الأصل في عقود القانون الخاص، والتي تستند إلى قاعدة “العقد هو قانون المقاولين” لضمان استمرار عمل المرافق العامة ومنع المتعاقد مع الإدارة من التوقف عن الوفاء بالتزاماته وتعطيل المرافق العامة.

نظرية الموظف الفعلي

من أجل ضمان مبدأ استمرارية الخدمة العامة أعلن القضاء الإداري نظرية الموظف الفعلي؛ وذلك من أجل تحقيق الهدف من نظرية الظروف الطارئة والواقعية، وهو شخص يمارس اختصاصاً إدارياً معيناً بالرغم من وجود خلل جسيم في قرار تعيينه في هذه الوظيفة أو عدم صدور قرار التعيين.

وفي الخاتمة نستنتج أن مبادئ القانون الإداري تقضي بإلغاء جميع أفعاله؛ لأنها صدرت عن شخص غير مؤهل لكن القضاء الإداري في محاولة منه لعدم الإخلال بالأداء المنتظم والثابت للخدمات العامة، قد شرع هذه الإجراءات.


شارك المقالة: