أسباب تأسيس المدن:
أشار ابن خلدون إلى أن المدن العربية التي كانت تقام على قمة جبل أو في شبه جزيرة يكاد يحيط البحر بها من كل الجوانب أو على شاطئ نهر أو جسر، وكان يتم اختيار الموقع في كل الحالات تأسيساً على أغراض حربية ودفاعية، كما أشار إلى أن المنازل كانت محمية بسور يحتمي به أهلها في حالة التعرض للمخاطر، وخاصة الفلاحين، أي أن المدينة كانت تدافع عن نفسها من دون الحاجة إلى جيش، وعادة ما نجد هذه الغايات متحققة في أغلب حالات المدن والرقع العمرانية في الأندلس، وبالتالي نرى أن لا فائدة ترجى من إحصائها وتعدادها، فالرقعة العمرانية أيا كان موقعها كان يتم تحديد مكانها طبقاً لتلك الشروط.
نموذج المدينة الأندلسية:
عندما نذكر نموذجاً أندلسياً تكون لنا مدينة ساجونتو العربية خير شاهد على استمرارية مفاهيم العصر القديم، فهذه المدينة تقدم لنا أنموذجاً حياً لمسلك إنساني قديم ودائم يتعلق بمقر إقامته الذي يجب أن تتوفر فيه العناصر التالية:
- أن تكون هناك منطقة جبلية.
- أن يكون هناك حصن كرقعة خارجة عن النطاق العمراني.
- أن يكون بالجوار نهر وسهل ومنطقة صالحة للزراعة، وقد سلك كل من العرب والغزاة المسيحيون الإسبان نفس النهج، كل في نطاقه، الأمر الذي جعل من المدينة أمراً قابلاً للاستمرارية خلال العصور.
قام المسلمون بإدخال تعديلات على الرقعة العمرانية بأن أضافوا خلال الفترة من القرن العاشر وحتى الثاني عشر سوراً حمائياً لا زلنا نعثر فيه حتى الأن على كتل حجرية وأحجار ترجع إلى العصر القديم، ويشير الأدريسي في كتابه جغرافيا الأندلس إلى أن مدينة ساجونتو كانت مؤلفة من أبراج مأهولة جيداً، تحيط بها الحقول التي ترويها المياه الجارية، وتوجد فيلات عديدة محاطة بحدائق غناء، كما كان موجود حصن في منطقة مرتفعة تليه منطقة منحدرة مسوّرة وبلدة مبعثرة منازلها في الوادي، وهنا وهناك نعثر على أطلال رومانية وكتل حجرية أعيد استخدامها،.
واستناداً إلى الحاجات الملحّة في تلك الفترة، فإن كثير من المدن منها على سيبل المثال ساجونتو قد أحلت الحصن العربي محل الحصن الروماني، وضربت حول رقعتها العمرانية أسواراً منيعة تتخللها أبراج، ويلاحظ وجود مساحة كبيرة بين القلعة والرقعة العمرانية، كما تعتبر مدينة سالم نموذجاً آخر للمدينة العربية الرومانية.