اقرأ في هذا المقال
تحويل الخسيس إلى نفيس:
ولأن الذهب والحرير محرمان على الرجال في الدنيا، وفي سبيل إيجاد حل يوازن الواقع منضبطاً بالشرع، فقد أنتج الخزف المذهب (فالخزف ناعم كالحرير والتذهيب كأنما هو ذهب) بالأكاسيد التي تحرق وتتحول للون الذهبي أو بني أو أحمر أو زيتوني -كلها درجات الذهبي- وأصبحت من أرقى أنواع الخزف.
وكذلك زخرفة المحراب بالخشب أو الصلصال المزجج أو الجص، وهي في معدنها خسيسة -مادة طينية ترابية- رغم ثراء العالم الإسلامي كله وسيطرته على أكبر مناجم الذهب في الأرض، وكذلك البرونز المكفت والمزخرف ما يصل بالفن حد الإعجاز.
الانصراف عن التجسيم والبرونز:
وذلك لأنها لا تبحث عن التجسيد، والذي يتحقق بالبعد الثالث للصورة عبر العمق المكاني في الفن الغربي بل عن العمق الوجداني، وهو التداخل والتوالد والتساند كما في الألف ليلة وليلية، حيث تنمو القصص وتتوالد من بعضها كتشابك الزخارف الإسلامية كما في العقاب البرونزي، ولعل في هذا تصوير للكون والحياة، حيث تتشابك وتتوالد وتتابع.
التنوع والوحدة:
إن الزخرفة الإسلامية التي تبنى على التنوع عبر تقسيم السطح إلى مساحات ذات أشكال هندسية مع الوحدة في تشابكها وتوالدها والانتقال المفاجئ بين موضوعاتها الزخرفية المتعددة نباتية أو هندسية من الاستدارة إلى الاستقامة، هذه التفاصيل الكثيرة أكثر من أن نشاهدها أو تفهمها منفصلة بل لابد من الابتعاد والتعالي (الروحي) عنها حتى تستطيع رؤية المشهد كاملاً وهذا نوع من الزهد في الاقتراب والتداني (المادي).
ولابد من التأمل حتى تكتسب الرسوم المسطحة عمقاً وجدانياً، وهذا ما يعجز عنه العقل الغربي الأكاديمي العقلاني الوجودي، فهذه الزخرفة هي (الحياة الدنيا) والتي تفهمها حتى تبتعد عنها وتزهد فيها، ولن تدرك علاقاتها حتى تفقه روابطها وهذا لا يأتي إلا بالإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر.
الخط أحد وسائل الزخرفة الإسلامية:
قال الله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)، هذه الآية هي جوهر الخط العربي الذي يدور في كل المساحات المزخرفة، فالخط الدار رشيق والهندسي صارم وكلاهما صفة المسلم في تفاعله مع الحياة وهمومها، كما يقوم الخط بسلب صفة التجسيد من الكائنات الحية وتحويلها إلى زخارف والخط العربي أداة زخرفية ذاتية وموضوعية.