بحيرة غاردا

اقرأ في هذا المقال


ما هي بحيرة غاردا؟

تعد بحيرة غاردا في المرتبة الأولى من حيث حجم البحيرات الموجودة في إيطاليا، ومكان وجود هذه البحيرة في شمال إيطاليا في وسط الطريق بين فينيسيا وميلانو تقريباً، حيث قامت الأنهار الجليدية بتشكيل هذه المنطقة في جبال الألب عند نهاية العصر الجليدي، وعلى حدود البحيرة يوجد كل من مقاطعات فيرونا من الجنوب الشرقي وبريشيا من الجنوب الغربي وترينتو من الشمال.
يمكن الوصول إليها بسهولة من الشمال بواسطة طريق برينر، ويتجه إلى البحيرة السياح بشكل دائم، حيث يوجد فيها الكثير من الفنادق والمنتجعات التي تم بنائها على جميع شواطئها، بسبب قربها من ميلانو، كان لبحيرة غاردا تأثير على عالم الموضة، نزح إليها الإنسان قبل 4000 عام تقريباً.

جغرافية بحيرة غاردا:

توجد خمس جزر في البحيرة، وكلها ذات مساحات صغيرة نوعًا ما، ويطلق على الجزيرة الأكبر من بين الجزر الخمسة جزيرة غاردا، وعلى أرض هذه الجزيرة بنى القديس فرنسيس الأسيزي ديراً سنة 1220، وفي القرن الثامن عشر هدم هذا الدير، وبنى فوقه قصراً على طريقة العمارة القوطية الحديثة يعود للقرن التاسع عشر.
وعلى مسافة قريبة توجد الجزيرة الثانية من حيث المساحة ويطلق عليها اسم جزيرة سان بياجو، وتعرف أيضاً بجزيرة الأرانب، حيث كانت الجزيرة مليئة بالأرانب في القرن السادس عشر والتي كانت تشكل صيداً ثميناً، وتقع جزيرة الأرانب في أقصى الجنوب الشرقي لخليج منيربا ديل غاردا، وتقع تلك الجزيرة بالقرب من الساحل، حيث يمكن الوصول إلى مشياً على الأقدام في فترات الجفاف.
وعلى طول الضفة الشرقية للبحيرة توجد ثلاثة جزر ثانية ذات مساحات قليلة جداً، وتقع تلك الجزر بالقرب من مدينة مالسيسيني، وتُسمَّى الجزيرة الشمالية جزيرة الزيتون، وجزيرة الحلم والتي يمكن الوصول إليها مشياً على الأقدام خلال فترات الجفاف، وأخيراً نجد جزيرة تريملوني والتي تقع في جنوب البحيرة.
يختلف متوسط ارتفاع مياه البحيرة التي تقع على ارتفاع 65 متر فوق مستوى سطح البحر بدرجة محدودة حسب التغيرات الموسمية، وبالأخص إذا تمت مقارنتها بالتغيرات التي تحدث للبحيرات الكبيرة الواقعة قبل جبال الألب، ويترواح التباين مابين متر ومتر ونصف.
وتتراوح درجة حرارة مياه البحيرة بين 12 درجة مئوية عند المياه السطحية، و8 درجات مئوية عند المياه الداخلية بعمق 100 متر، وتختلف درجة حرارة المياه السطحية خلال العام بشكل كبير، حيث تصل درجة الحرارة إلى 6 درجات مئوية في ديسمبر وتصل في أغسطس إلى 27 درجة مئوية.
يمكن تقسيم البحيرة إلى قسمين مثاليين: الحوض الشمالي الغربي الذي تصل مساحته إلى 93% من مساحة البحيرة وعمق مياهه يصل إلى 346 م، أمَّا الحوض الشرقي الذي يصل عمق المياه فيه إلى 79 م فقط، ويرجع سبب تقسيم البحيرة إلى قسمين وجود صدع مغمور تحت الماء بين مدينتي سيرميوني وبونتا سان فيجيليو والذي شكل حاجزاً طبيعياً، ممَّا يعمل على منع عملية اختلاط وتجانس المياه بين قسمي البحيرة.
وإن منطقة (سيكا دي غاردا) تعد من أكثر مناطق هذا الصدع قلة في المياه، حيث يصل عمق المياه فيها 5 أمتار، حيث قمنا بوضع علامات تحذيرية واضحة من أجل أن نحدد هذه المنطقة ذات المياه القليلة، ويوجد أقصى عمق تقريبي للبحيرة أمام الساحل ما بين مدينتي كاستيليتو وبرينزوني.

الحياة النباتية والحيوانية في بحيرة غاردا:

في البداية، ساهم كل من تشكل الجليد وذوبانه في تكوين غطاء نباتي يشبه ذلك الموجود في مناطق أوروبا القارية، ففي أعقاب فيضان كبير حدث في القرن السابع الميلادي، توسعت حدود الغابة وبدأ الغطاء النباتي الموجود بجانب البحيرة بأخذ خصائص جديدة، فازدادت أصناف المحاصيل الزراعية والتي تتميز بها بحيرة غادا لغاية الوقت الحالي، فنجد الكستناء الحلو، الجوز، أشجار الزيتون، كرم العنب، الحبوب.
بالإضافة إلى التغيير الذي يحصل على أنواع المحاصيل المزروعة، فنجد تغيراً ايضاً وزيادة في أصناف النباتات البرية التي تنمو لوحدها دون أن يتدخل الإنسان، الأمر الذي جعل من البحيرة استثنائية بالنسبة لعلماء النباتات، وذلك بفضل تنوع المناخ ما بين مناخ متوسط على الساحل إلى ألبي في الجبال التي تحيط بالبحيرة.
في الحقيقة إن الذين يتسلقوا سلسلة بالدو الجبلية التي كان يحتفل بها خلال العصور القديمة وكانت تعرف بحديقة أوروبا، بسبب الثروة النباتية الكبيرة التي تتمتع بها تلك الجبال، سيواجهون الكثير من المجموعات النباتية المختلفة، فعلى ارتفاعات منخفضة يوجد الكثير من نباتات البيئة الدافئة التي تنمو في السهوب مع وجود مناخات رطبة ودافئة مثل: نباتات الشيح، القتاد، الغار، السنديان الأخضر، الطقسوس، البطم التربنتيني.
وعند القيام بالصعود على المنحدرات التي يتراوح ارتفاعها بين 400-800 متر نجد الغابات المتوسطة التي تتميز بوجود نباتات مثل: الأوستريا شردية الأوراق، المران، البلوط الوبري، نجد على مجال أقل نباتات مثل: الميس الجنوبي، البندق الشائع، الإجاص، بعد ذلك يمكن للمتسلق أن يجد مجموعة من الأشجار ذات الأوراق العريضة مثل: الغبيراء، القيقب.
ويتكون الغطاء النباتي بشكل رئيسي من أشجار الزان على ارتفاع 1000 متر وصولاً إلى ارتفاع 1200 متر، وعلى ارتفاعات أكبر بقليل توجد أشجار التنوب الشوحي، ونادراً وجود أشجار الشوح الأبيض، وبدءاً من ارتفاع 1700 متر يبدأ المناخ الألبي فنرى ورديات رودودندرون، النباتات الإبرية، الورود الجبلية، أشجار الصنوبر.
وفي المنطقة التي تواجه مدينة بريشا نجد تنوع في النباتات مشابهاً لتلك التي توجد في سلسلة بالدو الجبلية، غير أنها تتأثر بكثرة بسبب ذوبان الجليد والارتفاع المنخفض، حيث يبلغ أعلى ارتفاع للجبال التي توجد في بريشا 1975 متر، بينما يبلغ ارتفاع قمة فالدريتا والتي توجد في سلسلة بالدو الجبلية 2218 متر.
أمَّا في الجزء المواجه لمدينة فيرونا نجد مناخاً ملائماً فدرجات الحرارة تكون معتدلة، وتُسمَّى هذه المنطقة من البحيرة ساحل الزيتون؛ وذلك بسبب وجود الكثير من أشجار الزيتون، وتُسمَّى ضفة البحيرة عند مدينة بريشا ساحل الليمون حيث يتم زرع الليمون في حدائق مدرجة.
أمَّا عن الحياة السمكية داخل البحيرة فنجد أكثر من 25 نوعاً من الأسماك داخل البحيرة، حيث أن سمك الكاربيون من أهم الأنواع التي تستوطن البحيرة، وهي نوع من أسماك السلمون التي تعيش في أعالي البحيرة وتتغذى على العوالق، كان لحم أسماك الكاربيون ذو قيمة كبيرة منذ العصور القديمة، ولكن تسبب هذا في صيدها بكثرة، ممَّا دفع بها إلى خطر الانقراض.
ويعد تدهور المياه وتلوثها من أحد أخطر الأسباب التي وصلت بتلك الأسماك إلى الانقراض، ونجد العديد من الأسماك التي وجدت في البحيرة منذ زمن وعدد آخر من الأسماك الدخيلة مثل: الأنقليس الأوروبي، سمك البربوط، سمك الكاربيون، سمك التنش، السلمون المرقط البني، الكورجون الأوروبي، الشبوط الشائع، أسماك الفرخ الأوروبي.
وتوجد العديد من أنواع الطيور المائية، وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من الطيور التي كانت تقف على ضفاف البحيرة في الماضي لم تعد تظهر في الوقت الحالي مثل: طيور النحام الوردي والبجع، ويكثر وجود طيور البط (البط البري، بط السماري، الحذف الشتوي، الشرشير الصيفي)، كما توجد طيور أخرى مثل: كالبلشونيات، وطيور الغرة، والإوز العراقي، ولكن يعتبر طائر النورس الأكثر انتشاراً من بين هذه الطيور؛ وذلك بسبب وجود أنواع كثيرة من الأسماك التي يمكن أن يتغذى عليها.

تاريخ بحيرة غاردا:

قام الناس الذين يسكنون منطقة بحيرة غاردا لغاية القرن التاسع عشر بالحفاظ على كثير من الصفات الخاصة التي ظهرت نتيجة تاريخ ضارب في الزمن القديم وعن عمليات التكيف الشديدة مع البيئة التي يعيشون فيها، وكانت تلك الخصائص والصفات المميزة كثيرة بين سكان الجزء الشمالي من البحيرة، حيث لم يأخذوا فرصة في التواصل مع العالم الخارجي؛ بسبب التضاريس الصعبة لبيئتهم التي كانت تجعل من التواصل مع الآخرين أمراً صعباً.
وأدت تلك الظروف البيئية المحيطة إلى ظهور شعب ذو خصائص مميزة ودقيقة، وإلى ظهور أسلوب حياة خاص به، وبدأت تلك الصفات المميزة لسكان منطقة البحيرة في الاختفاء بشكل بطيء بداية من القرن التاسع عشر عندما شاع الاتصال مع العالم الخارجي.
عثر على بعض الآثار التي تدل على الوجود البشري في منطقة البحيرة والتي ترجع إلى العصر الحجري الوسيط مثل الأدوات المصنوعة من حجر الصوان، وعند ارتفاعات معينة نجد تلك الآثار ولكن بشكل أقل، حيث محت تحركات الأنهار الجليدية جميع القرائن التي كان من الممكن أن تثبت وجود الإنسان في منطقة البحيرة في عصور ما قبل التاريخ.
أمَّا بالنسبة للعصر الحجري القديم فنجد بعض العلامات التي تؤكد على وجود تجمعات بشرية، وبالأخص عند سفوح السلاسل الجبلية كبالدو وستيفو، وخلال العصر الحجري الوسيط نجد أن أكثر المناطق المأهولة بالسكان كانت منطقة جبال بالدو؛ وذلك بسبب وجود كميات كبيرة من الأدوات المصنوعة من حجر الصوان، وقد تم اكتشاف تلك الآثار بالقرب من مدن ناجو، أركو، مانيربا.
وتؤكد بعض الأشياء التي تم ايجادها داخل المقابر التي تعود إلى تلك الحقبة بالقرب من أركو اتصال سكان البحيرة بثقافة الزهريات مربعة الفوهة في العصر الحجري الحديث، والتي انتشرت في شمال إيطاليا في الألفية الخامسة قبل الميلاد، وإن أكبر دليل على الوجود البشري في منطقة البحيرة في مرحلة ما قبل التاريخ يرجع إلى العصر البرونزي، حينما ظهرت العديد من المنازل القائمة على ركائز في المنطقة الجنوبية من البحيرة وفي داخل البحيرة ايضاً والتي تركت خلال العصر الحديدي من أجل البحث عن مواقع أكثر استراتيجية.
وكانت منطقة البحيرة نقطة للالتقاء بين شعب الريتي وقدماء الفينيتو ويؤكد هذه الفرضية وجود مقبرة تنتمي لشعب قدماء الفينيتو داخل منطقة البحيرة، بالإضافة إلى أن الإترو سكان وصلوا لتلك المنطقة من أجل التجارة، واستوطن شعب السينوماني السلتي المنطقة التي تقع بين بريشا والبحيرة حوالي القرن السادس قبل الميلاد وتركوا بها أغلب آثارهم.


شارك المقالة: