كيف تم تطوير المعرفة الجغرافية؟
لقد شاركت شعوب كثيرة وحضارات متعددة في نمو وتقدم المعرفة الجغرافية، حيث أن كل شعب شارك بقدر ما سمح به تطوره وتقدمه الحضاري، كما كانت مشاركة الشعوب في مجال المعرفة الجغرافية متأثرة في خصائص بيئاتها وظروفها الطبيعية، ولكي نتعرف على تطور المعرفة الجغرافية يجب علينا أن نتتبع بعض نماذج الاهتمامات الجغرافية لدى الشعوب القديمة.
حيث أن وجود نهر النيل مع ما يحمله من ماء وطمي، إلى جانب مناخ مصر المعتدل، حيث سمح بظروف تسببت في قيام حضارة عريقة منذ أكثر من ستين قرنًا، ولقد برع المصريون القدماء في كثير من جهات المعرفة ومنها المعرفة الجغرافية، ونستطيع أن نتتبع معرفة المصريين الجغرافية في مجالات ثلاثة نجملها فيما يلي:
- ملاحظة الظاهرات الفلكية واستعمالها خلال التقويم والحساب والأسفار.
- القيام بالرحلات.
- رسم الخرائط.
وسوف نقوم بتوضيح كل هذه المجالات بشيء من الإيجاز كما يلي:
- ملاحظة الظاهرات الفلكية: إن سماء مصر الصافية منذ العصور القديمة ساعدت في رؤية الأجرام السماوية بشكل واضح، حيث اختار المصريون من السماء أكبر أربابهم، كما فعلت أغلب الشعوب القديمة من أثر الشمس خلال دورة الحياة اليومية، كما ارتبط شروقها في يقظة الكائنات بعد النوم وبالحركة بعد الخمول، فنسبوا ذلك إلى الإله رع وهو إله الشمس عندهم.
كما ربط المصريون القدماء بين شروق النجم سيريوس Sirius المدعى بالشعرى اليمانية، وبين مجيء الفيضان، إذ أن هذا النجم يظهر قبل شروق الشمس بفترة قصيرة في يوم 19 يوليو كل عام، أي قبل مجيء الفيضان ببضعة أيام، ولذلك فإنهم اعتبروه رسولًا يبلغهم بمجيء الفيضان.
كما سمى المصريون القدماء هذا النجم باسم سبدت، ومن هذه التسمية أُخذ اسم اليوناني (سوزيس Sothis)، ووجد المصريون القدماء أيضاً أن الفترة التى تنقضي بين ظهور هذا النجم مرتين تقدر بنحو 365 أو 366 يومًا، فقسموا هذه الفترة إلى ثلاثة فصول هي آخت وفصل الفيضان وبرت فصل الإنبات وشمو فصل الجفاف، إلى جانب ذلك فقد كانت السنة عندهم 12 شهراً لكل شهر 30 يوماً ويضاف إليها بعد الشهر الأخير خمسة أيام سموها الأيام المضافة أو اللواحق، كما جعلوها أعياداً يحتفلون فيها بذكرى خمسة من أربابهم الكبرى. - الرحلات: لقد قام المصريون القدماء بعمل رحلات خارجية وداخلية رفعت من معرفتهم الجغرافية، وكانت هذه الرحلات إمَّا على شكل بعثات تجارية أو حملات عسكرية، وقد تفوق المصريون القدماء في رحلاتهم البحرية نتيجة لأسباب عديدة من أهمها:
- وجود نهر النيل وجريانه خلال القطر المصري من جهة الجنوب إلى جهة الشمال.
- لقد تميزت مصر بوجود ساحلين طويلين في البحر المتوسط والبحر الأحمر.
- كثرة البحيرات الساحلية والداخلية التي توجد في البلاد.
- وجود البردي والأخشاب التى تشارك في صنع قواربهم.
ولقد كان نهر النيل والمسطحات المائية القديمة بمثابة مدارس للتدريب البحري، حيث ساعدت المصريين على الإقبال على ركوب البحر وعمل رحلات بحرية مهمة، ومن أهم الرحلات التى قام بها المصريون: - رحلة أو بعثة سنفرو حوالى سنة 3200 ما قبل الميلاد لاحضار الخشب من بلاد الشام لبناء السفن والمعابد.
- رحلة حتشبسوت حوالي سنة 1500 ما قبل الميلاد إلى بلاد بونت، حيث شملت الرحلة خمس سفن بحرية وذلك من أجل جلب البخور اللازم للطقوس الدينية في معابد مصر القديمة.
- رحلة نخاو منذ أكثر من ستة وعشرين قرناً، دارت حول أفريقيا في أكثر من ثلاث سنوات، وقطعت فيها ما يقرب من 13500 ميل، وقد لمح هيرودت لهذه الرحلة خلال كتاباته.
قام المصريون أيضاً بحملات وبعثات عسكرية خلال أيام تحتمس الثالث ورمسيس الثاني إلى بلاد الشام وفلسطين وبلاد النوبة، وجنود تحتمس سموا نهر الفرات حينها (النهر ذو المياه العكسية) بسبب أنه يسير من الشمال إلى الجنوب على عكس ما وجدوه من نهر النيل، ولا شك أن هذه الحملات والرحلات قد زادت من رقعة المعرفة الجغرافية عند المصريين القدماء.
- وجود نهر النيل وجريانه خلال القطر المصري من جهة الجنوب إلى جهة الشمال.
- رسم الخرائط: يقول الباحثيين أن مصر من أقدم الدول التى فهمت أصول المساحة والقياس؛ وذلك بهدف الاهتمام بتقدير الضرائب المستحقة على الأراضي، وكان مسح هذه الأراضي يتم بعد كل فيضان وذلك عند بذر البذور، وقد وجدت خرائط مصرية قديمة تعود إلى عهد رمسيس الثاني سنة “1300” ما قبل الميلادي.
كما أن أماكن الأعمدة التى تعين مساحة الأحواض في متحف تورينو بإيطاليا وهي مرسومة على ورقة من البردي توضح أحد مناجم الذهب، كما يوجد هناك نوع آخر من الخرائط يمكن أن يوصف بالخرائط الدينية، وهي تلك الخرائط التى كانت توضع في قبور الموتى لترشدهم إلى العالم الآخر.