ما هو منهج الجغرافيا الطبيعية؟

اقرأ في هذا المقال


منهج الجغرافيا الطبيعية:

الجغرافيا الطبيعية هي دراسة ترتيب ظاهرات معينة على سطح الأرض، وهنا يجب التذكير بأن المقصود بالمنهج الوسيلة المتبعة في معالجة محتوى المادة، علماً بأن لكل موضوع مفاهيم منهجية تلائم أهدافه. وبالنسبة للجغرافيا بوجه عام التي تعني وصف الأرض، فكان الصفة السائدة للكتابات الجغرافية في ما عرف بالجغرافيا الوصفية.
وقد اعتمد الوصف على تسجيل ما تم مشاهدته أثناء الرحلات المختلفة أو سماعُه من الغير حول الأرض والناس. زكان لتجميع هذه المعلومات فضل كبير في نمو المعرفة بالبلدان والمجتمعات في أرجاء الأرض، كما شكَّلت دفعاً قوياً في تطور الجغرافيا، حيث سهلت هذه المعلومات إدراك التباين بين أقاليم الأرض وتنوعها، وهو أمر قاد بعد ذلك إلى طرح التساؤلات حول أسباب ذلك التباين (منشل) 1995.
وظل أسلوب الوصف والاكتفاء بسرد التفاصيل وعرضها حول الحقائق المختلفة المنهج السائد لفترة طويلة من الزمن، وعندما بدأ وضع التساؤلات حول جوهر هذه الحقائق أصبحت الجغرافيا لا تكتفي بالوصف، بل تهدف إلى البحث عن الأسباب والتعليل والتفسير للعلاقات بين الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية.
وقد رافق الوصف في الدراسات الجغرافية، الملاحظة، كما تطور الوصف من وصف استكشافي بسيط إلى وصف مرتكز على قاعدة واحدة وله هدف أساسي، أيضاً تطورت المُلاحظة من ملاحظة بسيطة عابرة إلى ملاحظة موجهة مسبقاً لغرض الكشف عن حقائق، حيث جعل التفسير ممكناً، كما يتطلب أيضاً فحصاً دقيقاً للظاهرة المُلاحظة، زيادة في الإدراك بأهمية التفاعل بين أجزاء النظام الأرضي عمل جهد كبير على وصف الأشكال.
وإن الدراسات الأولى اهتمت على التركيز بوصف الجوانب الطبيعية للأشكال الأرضية، كما هو أيضاً في الدراسات المُناخية، الأشكال الجيومورفولوجية، حيث طوَّر العالم كوبن مخطط يصف المُناخ على سطح الأرض. أمَّا وصف الأشكال الأرضية فقد تطوَّر من خلال وصف العامل المورفولوجي إلى وصف الشكل أو الصورة التضريسية، ثم وصف العمليات الت أُسهمت في إبراز الصورة التضريسية.
كما يقصد بالعامل الطاقة، العملية الوسيلة التي تنفق فيها هذه الطاقة لإحداث تغير في الوسط الذي تسري فيه (بحيري)، 1979. ويعني هذا أنه في الدراسات الجغرافية الطبيعية، عندما يستوفى الشكل نصيبه من الوصف فإن المرحلة التالية هي فهم أسباب كيفية تكونه وهو أمر يتحقق بدراسة العمليات المسؤولة عن تكون الشكل.
وبناء على ذلك فإن العوامل تشمل جميع الأدوات التي تشترك في إظهار أشكال سطح الأرض، عن طريق الإزالة أو التراكم أو كلاهما. ومن أمثلة العوامل، المياه، التصدع، الجاذبية، الأمواج، بينما تعني العمليات آلية أو كيفية التشكيل الذي تُمارس بواسطته العوامل نشاطها من أجل اعطاء الشكل الأرضي صورته المميزة. وتأتي الرواسب والتجوية والانزلاقات الأرضية كأمثلة للعمليات التي تُفسّر كيفية التشكل.
ولا تعمل العوامل والعمليات منفردة، بل عادة تشترك عدة عوامل ومجموعة من العمليات في إظهار الشكل الأرضي. ورافق الاهتمام بدراسة العمليات تحوّل آخر تمثل في طريقة تناول الموضوع؛ بحيث يكون التركيز على مجمل النظام المرتبط بتشكيل بيئة ما؛ أي دراسة العمليات مع الأخذ في الاعتبار أن هذه العمليات هي ضمن مكونات نظام بيئي شامل، حيث يرى بعض الدارسين أنه باتباع مثل هذه المناهج يسهل التنبؤ بالتغيرات البيئة، كما يسهل أيضاً الاستجابة لهذه التغيرات.
وكانت الجغرافيا الطبيعية تهتم دائماً بالعملية والشكل، حيث يقصد بالعمليات الحركة وما تنتجه من أشكال، سواء كانت اللاند سكيب أو كانت مظهر السماء أو الغطاء النباتي، كما كانت توصف بلغة رومانسية، بينما كان يُستدل على الحركات من ملاحظة الأشكال، هو نهج يمكن الرجوع به في الماضي إلى زمن فلاسفة الإغريق. وفي الوقت الحالي أصبح الاهتمام أكثر تركيزاً على العمليات ذاتها وجعل الفهم أكثر اعتماداً على دقة الملاحظة والقياس والتجربة العملية بدل الاعتماد على الحدس أو الاستدلال، فقد اعتمد الكثير من الجغرافيين مثل هذا النهج العلمي إلى جانب الربط المنطقي (العقلاني) للعملية والشكل في مؤلفاتهم.
كما تطوَّرت تقنيات دراسة العمليات مثال على ذلك إجراء القياسات عن بُعد، قياس المسافات الكترونياً، أيضاً نظام تحديد المواقع على الكرة الأرضية، استعمال الكاميرات الرقمية في عمليات التخريط وتقنيات تحديد أعمار الرواسب وقياس معدلات التعرية وتقنيات النمذجة.
كما أصبح الأن من الضروري معرفة المزيد عن طبيعة العمليات المسؤولة، عن تطوّر سطح الأرض في الماضي (الهولوسين) وفهم أهميتها بالنسبة للبيئات الحاضرة. وبذلك تحوّل الاتجاه إلى دراسة العمليات بدل الوصف للبيئة، ليس أدل على هذا التوجه وهيمنته على الفكر الجغرافي من ظهور الكثير من المؤلفات التي تناولت العمليات في مختلف فروع الجغرافيا الطبيعية وصدور العديد من الدوريات التي تهتم بالعمليات مثل، عمليات سطح الأرض والأشكال الأرضية والعمليات الهيدرولوجية.
قبل أن يتطوّر الاهتمام باستخدام كل من منهجي النظم والنماذج في الجغرافيا الطبيعية كان هناك حاجة لدراسة العمليات البيئية. ورغم أن العملية كانت ضمن ثلاثية (ديفز) العملية والبناء والمرحلة أو الوقت، إلا أن معظم الاهتمام كان منصب على المرحلة والقليل فقط على العملية.
كما ظهرت في تلك الفترة وجهات نظر أخرى تؤكد على الأهمية العملية، مثل الأهمية التي أعطاها جلبرت لدراسة الأشكال الأرضية كمظاهر لفعل العمليات الجيومورفولوجية على المواد الأرضية، غير أنها لم تحظى بالاهتمام الكافي في ظل هيمنة أراء ديفز. وقد فكَّر البعض لما تم إهمال دراسة العمليات الجيومورفولوجية من قبل المختصين، فهو سؤالاً محيراً في تاريخ تطور هذا الفرع من المعرفة.
ولم يكن الاهتمام بالعمليات لتفسير الظاهرة الجغرافية على نفس المستوى في كل فروع الجغرافيا الطبيعية، فقد أجريت دراسات تعتمد هذا التوجه في موضوعات مثل التُربة والجغرافيا الحيوية والمُناخ، غير أن الاهتمام الأكبر كان من نصيب العمليات الجيومورفولوجية، حيث اعتمد الباحثين في تفسير أشكال سطح الأرض على قياس وتحليل العمليات. وكانت البداية قد تمثلت في وصف جلبرت لعمليات النحت، وأليات العمليات المرتبطة بالمياه الجارية، نقل الحصى بواسطة الجريان المائي مرفقة بنتائج التجارب العملية.
ووضع باجنولد بعد ذلك أسس العمليات في المناطق الصحراوية بأعماله، حول طبيعة حركة الرمال والكثبان الصحراوية. كما جاءت بعض الآراء المهمة من اسكندينافيا كنتائج للدراسات الميدانية والقياسات العملية التي كانت حول عمليات تحرك المواد التي تتواجد فوق المنحدرات، الأنهار وخصائصها.
كما قام ستريلر أيضاً باضافة إجراء قياسات على ما يحدث من عمليات في القنوات النهرية وعلى المُنحدرات، وتحوّل بعد ذلك إلى طبيعة العمليات في المناطق الساحلية، وهكذا أصبح الاهتمام بالعمليات البيئية ملازم لتطور الجغرافيا الطبيعية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، من المفاهيم التي برزت أهميتها في الدراسات الجغرافية مفهوم المقياس، الزماني والمكاني، خلال القرن التاسع عشر كانت الموضوعات ذات الأهمية الجغرافية على مستوى العالم، فيما عرف بالجغرافيا العامة أو جغرافية العالم التي تعنى بتوزيع الظاهرات الطبيعية والبشرية على مستوى العالم.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اتجه الاهتمام إلى الجغرافيا الخاصة أو الإقليمية، التي فيها يمكن أن تدرس ظاهرة أو أكثر ضمن منطقة محدودة، حيث يعتمد هذا المنهج في الحالتين على الوصف والربط والتعليل. أمّا في الدراسات الحديثة، حيث أصبحت المعلومات والبيانات متوفرة بشكل كبير، بدأ الجغرافيون يضعون قيمة كبيرة للمقياس بنوعية المكاني والزمني. فالاختلاف في حجم المساحة يحدث تباين في طبيعة الظواهر الموجودة فوق سطح الأرض بالتالي طبيعة ما يثار من تساؤلات، ما يحتم اختلاف طرق الدراسة باختلاف الحيز.
وفي حالة البيئات ذات المساحات المحدودة، التي يمكن دراستها على خرائط ذات مقياس رسم كبير أقل من 7:10.000، حيث يمكن أن تكون الدراسة بصورة مباشرة باستخدام الوسائل الحقلية ومن ثم الحصول على معرفة مباشرة بها، كما أن العلاقات التي درست في الحقل يمكن تطبيقها على مناطق أو مشاكل مشابهة. وعلما ًبأن وسائل الدراسة الحقلية تصنف في الجغرافيا الطبيعية كأنسب التقنيات لدراسة البيئات ذات المقياس الصغير، التي يفضل أن تكون دراستها على مدى فترات زمنية قصيرة. وبزيادة المساحة المدروسة يزداد طول الفترة الزمنية وحجم الظاهرة المدروسة ويكون الاعتماد في الدراسة على الخرائط وعلى التقارير والصور الجوية، وهنا عادة تكون العمومية الصفة السائدة.
فإن بعض دارسين الجغرافيا يميل إلى اتباع المنهج التقليدي في تقسيم دراسة الجغرافيا الطبيعية إلى عدة فروع متخصصة ومنفصلة عن بعضها مثل الجيومورفولوجيا، الهيدرولوجيا، المُناخ، التُربة وغيرها، اعتبار كل منها علماً متميزاً ومكتفياً ذاتياً، رغم ما لهذا التقسيم من ميزة على مستوى الدراسات المتقدمة فهو يسهل من إجراء الدراسات المتخصصة والمتعمقة، إلا أنه يهمل أهم خصائص الظاهرة الجغرافية التي هي نتاج لعوامل متعددة ومتشابكة وبالتالي يستحيل فصلها عملياً، بذلك تبقى مشكلة وضع الحدود الفاصلة بين هذه الفرع قائمة.
كما أن هذا النهج المعتمد على دراسة مكونات البيئة كوحدات منفصلة، لا يحقق التكامل الذي يجب أن يُميز هذه الوحدات لتحقيق النظرة الشمولية وإظهار أهمية العمليات والعلاقات المتبادلة بين هذه المكونات، كما تقلل هذه التجزئة من أهمية التداخلات والدورات التي تمتد عير مكونات البيئة الطبيعية، فالدورات القصيرة الأمد مثل الدورة المائية ودورة الطاقة ودورة المواد الكيمائية تتفاعل مع بعضها البعض لتعطينا البيئة الطبيعية.
لهذا يرى بعض الدارسين أنه حتى تستمر التفاعلات والدورات التي تنتشر خلال البيئة الطبيعية محتفظة بأهميتها، يجب اعتماد نوع من التفاعل أو الدورة كأساس لتقسيم الجغرافيا الطبيعية إلى موضوعات، مثل الحركة في البيئة الطبيعية وتشمل دورة الأرض، دورة الهواء العامة، الدورة الهيدرولوجية.
وفي الوقت الحاضر كان على الجغرافيا الطبيعية، كغيرها من فروع المعرفة، مواجهة الكم الهائل من المعلومات والنشاط البحثي، كانت إحدى السبل للتجاوب مع هذا التطور أن يتبنى الجغرافي نهج يضمن تقليص اهتماماته، الذي يمكن أن يعني أن الكثير معروف عن القليل، بمعنى إما أن يقلل الظواهر المدروسة أو يقوم بحصر المساحة المدروسة عكس الجغرافيا العامة، وهو نهج يعني أيضاً غياب قضايا ومشاكل العالم الأساسية عن جدول أعمال الجغرافيا.
والبديل هو ضرورة أن يكون الجغرافي مدركاً لمجال الجغرافيا الطبيعية، إلى جانب تخصصه في فرع منها، كما يكون مدركاً للكيفية التي يجب أن يتطور بها موضوعها في إطار من تقييم سليم للمشاكل الرئيسية فوق سطح الأرض والحاجة إلى تنمية مستدامة. واستخدموا معادلة حيث وضعت هذه المعادلة لتوضح الطريقة التي تتناول بها الجغرافيا الطبيعية كيفية عمل العمليات على المادة عبر الوقت محدثة نتائج، مثل الأشكال الأرضية. ومثلاً، في نظام التُربة تعمل عمليات تكوين التربة مثل التجوية على مواد الأصل الصُخور، متأثرة بعوامل تكون التُربة مثل المُناخ لتنتج قطاع التُربة أو المشهد الأرضي للتُربة.
إلى جانب المعرفة النظرية تشمل الجغرافيا الطبيعية، أيضاً العمل الحقلي وهو جانب يسمح للدارس باكتساب تلك النظرة الشمولية لوظائف النظم البيئية، كما أن البيانات المتحصل عليها من الدراسات الميدانية يمكن تحليلها معملياً ومن ثم تحويل البيانات حول العمليات إلى مادة كمية.
ويمكن أن يُضاف إلى ما تقدم أن العمل الحقلي في الجغرافيا الطبيعية، حيث يجعلها تشترك مع العلوم التطبيقية في إعطاء الباحث ذلك الإحساس بالمشكلة وفي الإسهام في صنع القرار، كذلك في رصد خطوات العمل وتقييم الخطط وتوجيهها. ومنذ ستينات القرن الماضي شهدت الجغرافيا الطبيعية تغير جذري نتيجة تطبيق النظامين، النظري والرياضي في دراستها.


شارك المقالة: