نبذة تاريخية عن مدينة فيلينوس:
شهدت مدينة فيلنيوس عاصمة وأكبر مدينة في ليتوانيا تاريخاً متنوعاً منذ أن استقرت لأول مرة في العصر الحجري، كما كان في الأصل رئيساً لدوقية ليتوانيا الكبرى ثم لاحقاً جزء من الكومنولث البولندي الليتواني وتناقل الحكم عدة مرات بين الإمبراطورية الروسية وروسيا السوفيتية وألمانيا وبولندا وليتوانيا. وكانت غالباً موقعاً للنزاع بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وأثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبحت رسمياً عاصمة ليتوانيا المستقلة الحديثة عندما اعترف الاتحاد السوفيتي باستقلال البلاد في أغسطس 1991.
يبدو أن أقدم المستوطنات في منطقة فيلنيوس الحالية كانت من أصل الميزوليتي، كما أثبتت الاكتشافات الأثرية العديدة في أجزاء مختلفة من المدينة أن المنطقة كانت مأهولة بشعوب من ثقافات مختلفة منذ أوائل العصور الوسطى. في البداية كانت مستوطنة على بحر البلطيق ثم سكنها أيضاً السلاف واليهود والألمان.
تم ذكر المدينة لأول مرة في مصادر مكتوبة باسم فيلنا في عام 1323 كعاصمة لدوقية ليتوانيا الكبرى في رسائل غيديميناس. بنى غيديميناس قلعته الخشبية على تل في المدينة، وأصبحت المدينة معروفة على نطاق واسع بعد أن كتب رسالة دعوة دائرية للألمان واليهود إلى مدن هانسا الرئيسية في عام 1325، كما أسس غيديميناس أول دير دومينيكاني في عام 1321.
أما في النصف الثاني من القرن أقيمت كنيسة القديس نيكولاس، وفي ذلك الوقت كانت فيلنيوس تواجه العديد من الغارات من قبل النظام التوتوني، على الرغم من أنهم لم يستولوا على القلعة أبداً، فقد تم إحراق أجزاء كبيرة من المدينة في الأعوام 1365 و1377 و1383.
أبرز المعالم الأثرية في مدينة فيلينوس:
البلدة القديمة:
تعد البلدة القديمة واحدة من أهم المراكز التاريخية في شمال أوروبا ودول البلطيق التي تتميز بوجود العديد من المباني الرائعة من العصور الوسطى أينما نظرت. كما تضم حوالي 74 فصلاً مختلفاً، وهي موطن لمجموعة واسعة من الأساليب المعمارية المختلفة مثل القصور الباروكية والكلاسيكية ونقابات الحرفيين معروضة جنباً إلى جنب مع الكنائس والكاتدرائيات التي تتميز في العمارة القوطية وعصر النهضة. كما تتوزع بين العديد من المعالم التاريخية والمعالم الثقافية، وهناك مقاهي ومطاعم رائعة تعود أيضاً إلى قرون مع وجود العديد من الجوانب المختلفة لها.
كنيسة القديسة آن:
هي واحدة من أجمل المباني في المدينة التي يعود تاريخها إلى عام 1500، وقد تم بناؤها على الطراز القوطي، حيث تتميز بوجود برجان مع برج مستدقة مبهجة بينهما واجهته الأنيقة المصنوعة من الطوب الأحمر تجعلها حقاً مشهداً جميلاً. في حين أن تصميماه الداخلي الباروكي سهل إلى حد ما بالمقارنة، إلا أن مذبحه الرئيسي يستحق الزيارة، كما تعتبر كنيسة القديسة آن الرائعة واحدة من أبرز المعالم في المدينة، وتعد من المعالم السياحية الأكثر أهمية في المدينة القديمة.
تل الثلاثة صلبان:
إن التل والصلبان الثلاثة الموضوعة فوقه هي في الواقع موقع تاريخي مهم ورمز لولادة الدولة من جديد، كما تقول الأسطورة، حيث أقيمت الصلبان الخشبية فوق التل في القرن السابع عشر؛ لإحياء ذكرى سبعة من الرهبان الفرنسيسكان الذين قُطعت رؤوسهم هنا، أما في الخمسينيات تم إزالتها من قبل الاتحاد السوفيتي، ولم يتم بناء الأثار الحالية إلا في عام 1989 عندما كان الاتحاد ينهار. على هذا النحو جاءت الصلبان الثلاثة لترمز إلى نهضة الأمة من جديد.
كنيسة القديس بطرس والقديس بولس:
تتميز بتصميمها الداخلي الباروكي الخلاب الذي يضم بعض الجص المذهل مع حوالي 2000 شخصية منحوتة بشكل معقد معروضة، حيث إن هذا العدد الهائل هو الذي يجعل الكنيسة فريدة من نوعها في أوروبا، كما أنها مطلية باللون الأبيض اللامع وتتألق من الداخل وتبدو أنيقة للغاية ومزخرفة، تتخللها بعض الجص التي لا تنتهي أبداً وبعض اللوحات الجدارية الرائعة، بالإضافة إلى منبر روكوكو الرائع، حيث تم بناء كنيسة القديس بطرس وسانت بول بين عامي 1675 و1704، وهي تقدم روعة بصرية مع العديد من المنحوتات والجص الرائع.
كاتدرائية فيلنيوس:
تعد كاتدرائية فيلنيوس البيضاء المشرقة أحد الرموز والمعالم الأثرية الرئيسية في المدينة. بينما أقيمت هنا كاتدرائية خشبية لأول مرة في عام 1387، كما يعود تاريخ المبنى النيوكلاسيكي الحالي إلى عام 1783، هنا في الكاتدرائية كان يتم تتويج دوقات ليتوانيا الكبرى، بالإضافة إلى احتوائها على القبور وسراديب الموتى فهي تضم بقايا العديد من الشخصيات الأكثر شهرة في البلاد والمقابر نفسها تشكل مشهداً رائعاً.
بوابة الفجر:
هي الجزء الوحيد المتبقي من سور المدينة، والذي لا يزال موجود لغاية الآن التي يعود تاريخ بناءها بين عامي 1503 و1522، ليس فقط معلماً تاريخياً وثقافياً مهماً، بل تعتبر البوابة أيضاً موقعاً شهيراً للحج، حيث أنها موطن لمصلى شهير وموقر يحمل نفس الاسم. يوجد داخل البوابة كنيسة تضم لوحة رائعة وأيقونة للسيدة العذراء مريم، ويأتي الكثير من الناس إلى هنا لتقديم احترامهم أو الصلاة من أجل المعجزات. إن دخول فيلنيوس لأول مرة عبر هذه البوابة الضخمة هو حقاً طريقة لا تُنسى للتعرف على التاريخ القديم.
برج جيديميناس:
يتميز البرج بواحد من أفضل المناظر للمدينة ويراقب المدينة ونهر نيريس منذ عام 1409، ويقع البرج على قمة تل بارز وهو أحد الأجزاء الوحيدة المتبقية من القلعة العليا، والتي لا تزال معروضة وأعيد بناؤها في شكله الحالي في عام 1933. برج القرميد الأحمر ثلاثي المستويات يبدو مميزاً للغاية، أما في الداخل هناك بعض النماذج الرائعة لما كانت تبدو عليه القلعة، ومع ذلك فإن أهم ما يميزه هو المنظر الخلاب التاريخي، والذي يعمل كرمز للمدينة، وهو أحد مواقع التراث العالمي في اليونسكو.
قصر دوقات ليتوانيا الكبرى:
كان هذا القصر الرائع في يوم من الأيام المركز الثقافي والسياسي للكومنولث البولندي الليتواني، ويعود تاريخه إلى عام 2018 فقط، وذلك لأن الأصل قد تم تدميره في عام 1801 بعد أن وقف في نفس المكان منذ القرن الخامس عشر على الأقل. يقع القصر الذي أعيد بناؤه داخل قلعة فيلنيوس السفلى، ويضم الآن بعض القاعات الاحتفالية الرائعة على الطراز الباروكي والقوطي وعصر النهضة، ويُعد بمثابة متحف ممتاز، ولكن هناك أطلال وبقايا القصر السابق والعديد من المعارض المثيرة للاهتمام حول تاريخ ليتوانيا، مع وجود العديد من القطع الأثرية الرائعة والأعمال الفنية والهندسة المعمارية المعروضة.
جامعة فيلنيوس:
تعد واحدة من أقدم المؤسسات التعليمة في أوروبا الوسطى ودول البلطيق، والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر. ونظراً لإضافة العديد من المباني والساحات والمعارض على مر السنين، فإنها تعرض مجموعة واسعة من الأساليب المعمارية وتضم ميزات باروكية وكلاسيكية وقوطية رائعة، كما أن هناك عاملان الجذب الرئيسيان؛ هما مكتبتها الجميلة وكنيسة القديس يوحنا وكلاهما يشكّل مناظر رائعة. في حين أن الجامعة قد يكون عمرها قروناً، إلا أنها لا تزال تنبض بالحياة، حيث يتجمع الطلاب والسياح على حد سواء فيها.
كنيسة القديس ميكالوجاوس:
في مدينة مليئة بالكنائس البارزة تشتهر كنيسة ميكالوجاوس بأنها أقدم كنيسة قائمة في فيلنيوس، والتي تم بناؤها في القرن الثالث عشر الميلادي، ويمكن للزوار الذين ينظرون عن كثب أن يلاحظوا بصمات الأصابع والعلامات الأخرى في الطوب، وتم بناء الكنيسة بالطوب الأحمر على الطراز القوطي.
حصن المدفعية:
تم بناء حصن المدفعية في الأصل كهيكل دفاعي لحماية فيلنيوس في القرن السابع عشر، وبمرور الوقت سقط في حالة سيئة، ولكن أعيد بناؤه من قبل الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى. كما يضم الحصن الآن متحفاً صغيراً فيه معرض فني باهت، لكن الأسس والشكل الخارجي هي التي تستحق الزيارة في هذه الجولة التاريخية في فيلنيوس.