موقع مدينة قرطبة:
عاصمة مقاطعة قرطبة، في القسم الشمالي الأوسط من كومونيداد أوتونوما (مجتمع مستقل) من الأندلس في جنوب إسبانيا. تقع على السفح الجنوبي لجبال مورينا وعلى الضفة اليمنى (الشمالية) لنهر الوادي الكبير، على بعد حوالي 80 ميلاً (130 كم) شمال شرق إشبيلية.
كما تعد مدينة قرطبة نقطة مرجعية ثقافية عظيمة في أوروبا، حيث تم إعلان عن هذه المدينة القديمة كموقع تراث عالمي، كما أنها تحتوي على مزيج من الثقافات المتنوعة التي استقرت عليها عبر التاريخ.
تطور ونمو مدينة قرطبة:
كانت قرطبة في بداية تكونها تدعى باسم قرطاجية حيث احتلها الرومان عام 152 قبل الميلاد، مما أدى إلى ازدهار المدينة وتطورها تحت حكمهم، على الرغم من ذبح 20000 من سكانها في 45 قبل الميلاد من قبل يوليوس قيصر لدعمهم أبناء بومبي، ومن ثم أصبحت المدينة عاصمة مقاطعة بايتيكا الرومانية المزدهرة، وانخفضت تحت حكم القوط الغربيين من القرن السادس إلى أوائل القرن الثامن الميلادي.
في عام 711 تم الاستيلاء على قرطبة وتدميرها إلى حد كبير من قبل المسلمين، حيث أعاقت الخصومات القبلية استعادتها حتى قبل عبد الرحمن الأول، أحد أفراد الأسرة الأموية، تحت قيادة المسلمين الإسبان وجعل قرطبة عاصمته عام 756، حيث تمت توسعتها على يد خلفاؤه ليتم الانتهاء من تكوينها في حوالي عام 976 على يد أبي عامر المنصور.
وعلى الرغم من الاضطرابات المستمرة من قبل الثورات العرضية، إلا أن قرطبة كانت قد نمت بسرعة؛ وذلك تحت الحكم الأموي، وبعد أن أعلن عبد الرحمن الثالث نفسه خليفة للغرب عام 929، أصبحت المدينة الأكبر وربما الأكثر ثقافة في أوروبا، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 100000 نسمة في 1000.
وفي ظل الحكم الأموي توسعت قرطبة وامتلأت بالقصور والجوامع، كما حازت المدينة المنسوجة من الحرير والديباج المتقنة والمصنوعات الجلدية والمجوهرات على جوائز قيمة في جميع أنحاء أوروبا والشرق، إلى جانب منافسة ناسخوها الرهبان المسيحيين في إنتاج الأعمال الدينية، وعندما تم تفكيك الخلافة بسبب الحرب الأهلية في أوائل القرن الحادي عشر، أصبحت قرطبة مركزًا للتنافس على السلطة بين الممالك الإسلامية الصغيرة في إسبانيا، ثم سقطت في يد ملك قشتالة فرديناند الثالث عام 1236 وأصبحت جزءًا من إسبانيا المسيحية.
طبيعة مدينة قرطبة:
ظلت قرطبة قاعدة عسكرية مسيحية في حرب الحدود ضد مملكة غرناطة الإسلامية، لكن استبدال الحكم الإسباني بالحكم الإسلامي سرّع من عمليات التدهور الاقتصادي والثقافي للمدينة، مما أدى إلى سقوط غرناطة في عام 1492؛ الأمر الذي جعلها مدينة هادئة، تحتوي على العديد من الكنائس والأديرة والبيوت الأرستقراطية.
إلى جانب ذلك فقد أحيا الشعر الغريب لـ (Luis de Góngora y Argote) لفترة وجيزة هيبة قرطبة الثقافية في القرن السابع عشر، كما يُشار إلى المدينة على أنها مسقط رأس الفيلسوف الروماني سينيكا والشاعر لوكان وفلاسفة القرون الوسطى؛ (Averroës وMaimonides).
ونظراً للدور الذي قامت به مدينة قرطبة في إثارة وتشجيع التمرد القائم ضد الحكم الفرنسي، فقد تم تدميرها واقتحامها ونهب خيراتها وكل ممتلكاتها من قبل الفرنسيين، وذلك في عام 1808 للميلاد، إلى جانب ذلك فقد كانت قرطبة واحدة من أولى المدن التي احتلتها القوات الفرنسية في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939).
أهمية مدينة قرطبة:
لا تزال قرطبة مدينة مغاربية نموذجية ذات شوارع ضيقة ومتعرجة، خاصة في الحي القديم من وسط المدينة وفي أقصى الغرب، تحديداً في حي جوديريا (الحي اليهودي)، كما يربط جسر مغاربي مدينة قرطبة مع 16 قوسًا على القواعد الرومانية بضواحيها عبر النهر.
إضافةً إلى ذلك فقد يحرس الجسر في نهايته الجنوبية قلعة كالاهورا، وإلى الغرب من الجسر وبالقرب من النهر يقع قصر (Alcázar)، وهو القصر الذي كان مقرًا للخلفاء القدامى، إلا أنه الآن في حالة خراب، كما تشمل المباني الهامة الأخرى على العديد من الأديرة والكنائس القديمة وقاعة المدينة والمدارس والكليات المختلفة ومتاحف الفنون الجميلة والآثار، إلى جانب ذلك فقد جعل الطابع المغربي لمدينة قرطبة ومبانيها الجميلة لا سيما المسجد الكبير من المعالم السياحية الشهيرة في المدينة.
إلى جانب ذلك فقد تُعد مدينة قرطبة من المدن التي تهتم وبشكلٍ رئيسي بالفنون والثقافة والترفيه، حيث يعود السبب في ذلك إلى عدد الأحداث الثقافية التي لا حصر لها التي حصلت على أرض المدينة؛ والتي كان من أهمها مهرجانات الفلامنكو والحفلات الموسيقية والباليه وغيرها من الأنشطة، كما يكمل هذه الأحداث العديد من المتاحف المشهورة والمناظر الخلابة والأجواء الممتعة خاصةً في الليل.