“Jameh Mosque of Isfahan” ويسمى بالمسجد الكبير، ويعتبر إحدى أهم المواقع الدينية والتاريخية في إيران، حيث يتمتع بمكانةٍ خاصة في تاريخ العمارة الإسلامية، كما يعتبر بمثابة توضيح مذهل لتطور عمارة المساجد على مدى اثني عشر قرناً.
تاريخ مسجد الجامع
يعود تاريخ الهيكل الأساسي للمسجد الجامع بشكلٍ أساسي إلى القرن الحادي عشر، عندما أسس الأتراك السلاجقة مدينة أصفهان كعاصمةٍ لهم، وتم إجراء العديد من الإضافات والتعديلات خلال حكم الخانيد والتيموريين والصفويين والقاجاريين، ونما المسجد إلى تصميمه الحالي المكون من أربعة إيوا.
حيث يعتبر المسجد الجامع في أصفهان نموذجاً أولياً للمساجد المستقبلية المكونة من أربعة إيوان (الإيوان عبارة عن مساحة مقببة تفتح من جانب واحد على فناء)، وقبل الوقت الذي أصبح فيه هذا المكان مسجداً، كان معبداً للنار في العصر الساساني، حيث أثبتت الاكتشافات الأثرية، بما في ذلك قاع العمود، تاريخ ما قبل الإسلام للمبنى، لكن تاريخ تأسيسه الدقيق لا يزال مجهولاً.
تم بناء الحرم المركزي تحت إشراف نظام الملك، وزير الحاكم السلجوقي مالك شاه، ربما بين عامي 1070 و 1075م، وبنيت فيه حجرة مقببة ثانية عام 1088م، حيث يوضح المسجد سلسلة من الإنشاءات المعمارية والأساليب الزخرفية من فترات مختلفة في العمارة الإسلامية الإيرانية، تغطي 12 قرناً، ومعظمها في العصر العباسي والبويدي والسلجوقي والإلخاني، والمظفر والتيموري والصفوي، وبعد التوسع السلجوقي والإدخال المميز للإيوانات الأربعة (شاهار أيفان) حول الفناء بالإضافة إلى قبتين غير عاديتين، أصبح المسجد نموذجاً أولياً لأسلوب معماري إسلامي مميز.
ويتضح الطابع الأولي جيداً في أقدم قبة نظام الملك المضلعة ذات الصدفتين، وهي أول استخدام لتصنيف الإيوان الأربعة (شاهار أيفان) في العمارة الإسلامية، بالإضافة إلى الطابع الكتابي لمسجد الجامع باعتباره تجميع الطرز المعمارية الإسلامية، كما يُعد مسجد جامع أصفهان مثالاً بارزاً للابتكار في التكيف المعماري والتكنولوجيا المطبقة أثناء ترميم وتوسيع مجمع مسجد سابق خلال العصر السلجوقي، والذي تم توسيعه بشكلٍ أكبر خلال الفترات الإسلامية اللاَحقة بإضافة امتدادات عالية الجودة وديكورات.
المعالم الأثرية في المسجد الجامع
يعتبر المسجد الجامع أحد أهم المواقع التاريخية في إيران، حيث يعد أول مبنى إسلامي قام بتكييف تصميم فناء الإيوان الأربعة للقصور الساسانية مع العمارة الدينية الإسلامية، حيث تم تصنيف المسجد كمعلم وطني (رقم 95 لعام 1932) وفقاً للمادة 83 من قانون دستور جمهورية إيران الإسلامية (1920).
وبالتالي أصبح نموذجاً أولياً لبناء تصميم جديد وجمالي في تصميم المساجد، حيث يربط بين الإيوانات الأربعة في المركز فناءاً كبيراً مفتوح على الهواء، مما يوفر مساحة هادئة بعيداً عن صخب المدينة، وتدعم الأعمدة القرميدية نظام التسقيف وتسمح لقاعات الصلاة بالامتداد بعيداً عن الفناء المركزي من كل جانب، كما يتميز سطح المسجد بمظهر “غلاف الفقاعات” الذي تشكل من خلال مجموعة من القباب غير العادية ذات الشكل الساحر.
وهذه البساطة في المظهر الخارجي بلون الأرض؛ تكذب تعقيد ديكورها الداخلي، حيث صُنعت باطن القبة (الجوانب السفلية) في تصميماتٍ هندسية متنوعة وغالباً ما تشتمل على فتحة دائرية للسماء، كما توفر الخزائن المضلعة أحياناً، الإضاءة والتهوية لمساحةٍ مظلمة، كما يعمل الترتيب الإبداعي للطوب والزخارف المعقدة في الجص، وأعمال البلاط الفخمة، على تنسيق التصميم الداخلي مع إمتاع المشاهد في نفس الوقت في كل منعطف، وبهذه الطريقة، تصبح الحركة داخل المسجد رحلة اكتشاف ونزهة عبر الزمن.
كما يوجد إيوان للقبلة يقع في الجانب الجنوبي للمسجد، يحيط به مئذنتان أسطوانيتان ويستخدم أيضاً كمدخل لإحدى غرفتين كبيرتين مقببتين داخل المسجد، كما يتميز هذا الإيوان بزخارف البلاط الملونة والمقرنصات أو المنافذ الإسلامية التقليدية، وكان الجزء الداخلي المقبب مخصصاً لاستخدام الحاكم ويتيح الوصول إلى محراب المسجد الرئيسي.