كلّ الشّعوب على هذه الأرض تمتلك الموروثات الثقافيّة التي تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصليّ الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “أعور عينك والحجر”.
يزخر تراث الأمم والشعوب بالحكم والأمثال، فبعضها ما قيل في بيت شعري فصار مثلًا، ومنها ما قيل على شكل نصيحة وحكمة فصارت مثلًا، وأغلبها نتيجة مواقف مختلفة، وقد تناقلت الأجيال الأمثال لخفّتها وعمق معانيها حتى عصرنا الحالي، ومثل: “أعور عينك والحجر”، قيل في قديم الزمان، وله قصة معروفة سأوردها في بضعة سطور.
فيم يضرب مثل: “أعور عينك والحجر”؟
أمّا المراد بالمثل: أي احفظ عينك، واحذر من الحجر ، أو راقب الحجر، وهو يضرب فيمن يتمادي في المكروه، والمشفيّ منه على التهلكة، فيقال له: أبقِ على نفسك من أن يصيبك بتماديك ما يصيب الأعور إذا فُقئت عينه الصحيحة، فيبقى بلا بصر، وكما أنّ الأعور جدير بالحذر على عينه، فإنّك أحقّ بمراجعة الحسنى لمقاربتك العطب.
قصة مثل: “أعور عينك والحجر”
رُوي عن الأصمعيّ أنّه قال: أمّا أصل مثل: “أعور عينك والحجر” أنّ غرابًا قد وقع على دبرة ناقة، فكره صاحبها أن يرميه، فتثور النّاقة، وكره أن يتركه فيدمي الدّبرة، فجعل يشير إليه بالحجر، ويقول: ” أعور عينك والحجر”، ويُسمّى الغراب أعور لحدّة بصره على التّشاؤم أو على القلب كالبصير للضّرير، وقيل: إنّ إسماعيل بن جرير الجبلي الشاعر، كان مدّاحًا، وقد مدح طاهر بن لحين، وكان طاهر أعور، فقيل لطاهر: إنّ إسماعيل ينتحل ما يمدحك به من الشّعر، فأحبّ طاهر أن يختبره فطلب إليه أن يهجوه، فرفض إسماعيل، فقال طاهر: إنّما هو هجاؤك لي أو ضرب عنقك، فكتب في طاهر هذه الأبيات:
“رأيــــــــتك لا ترى إلّا بعيــــــن وعيـــــــــــــــــنك لا ترى إلّا قلـــــــيلا
فأمّا إذا أصبــــــت بفرد عيـــــن فخـــذ من عينــــــــــــك الأخرى كفيلا
فقد أيقنت أنّك عن قلـــــــــيل بظـــــــهر الكفّ تلتمــــس السبــــيلا”
ثم عرض هذه الأبيات على طاهر، فقال: لا أسمعنّ أنّك تنشدها أحدًا، ومزّق القرطاس، وأحسن صلته.