الحامل على الكراز

اقرأ في هذا المقال


جميع الشعوب التي عاشت على أطراف هذه الأرض، تمتلك ميراثًا ثقافيًّا يخصها، وهو يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “الحامل على الكراز”.

فيم يضرب مثل: “الحامل على الكراز”؟

مثل: “الحامل على الكراز”، من الأمثال العربية الأصيلة، وهو يُضرب فيمن يرمي باللؤم، يعني أنّه راعٍ يحمل طعامه على الكبش، وأمّا أول من قال المثل، فهو: “مخالس بن مزاحم” لقاصر بن سلمة الجذامي، وكانا بباب النعمان بن المنذر، وكان بينهما عداوة فأتى قاصر إلى عمرو بن هند أخي النعمان بن المنذر، وقال إنّ مخالسًا هجاك، وقال في هجائه:

“لقد كام من سمّى أباك ابن فرتنى        بـــه عارفًا بالنعت قبل التجارب
فسماه من عرفانـــه جرو جـــيأل         خليله قشع خامل الرجل ساغب
أبـــــــا منذر أنّى يقــود ابن فرتنى            كرادبس جمهور كثير الكتائب
ومـــــا ثبتت في ملتقى الخيل ساعة        له قدم عند اهتزاز القواضب”.

قصة مثل: “الحامل على الكراز”

ما إن سمع عمرو ذلك الشعر، جاء إلى النعمان وشكا إليه أمر مخالس بن مزاحم، وأنشده الأبيات، فما كان من النعمان إلا أن أرسل إلى مخالس، فلما دخل عليه، قال: “لا أم لك! أتهجو امرأً هو ميت خير منك حيّاً وهو سقيم خير منك صحيحًا، وهو غائب خير منك شاهدًا؟ فبحرمة ماء المزن وحق أبي قابوس، لئن لاح لي أن ذلك كان منك لأنزعن علصمتك من قفاك، ولأطعمنك لحمك”، قال مخالس: “أبيت اللعن! كلا، والذي رفع ذروتك بأعمادها، وأمات حسادك بأكمادها ما بلغت غير أقاويل الوشاة ونمائم العصاة، وما هجوت أحدًا، ولا أهجو امرأ ذكرت أبدًا”.

أضاف مخالس قائلًا: “وإني أعوذ بجدك الكريم وعز بيتك القديم، أن ينالني منك عقاب، أو يفاجئني منك عذاب قبل الفحص والبيان عن أساطيرها أهل البهتان”، فاستدعى النعمان قاصرًا، فسأله عما وصل إليه من شكوى، فقال قاصر: “أبيت اللعن! لعمرك لقد هجاه وما أروانيها سواه”، فقال مخالس: لا يأخذن أيها الملك منك قول امرئ آفك، ولا توردني سبيل المهالك واستدلل على كذبه، بقوله: أني أرويته مع ما تعرف من عداوته”.

حينذاك أيقن النعمان بن المنذر صدق مخالس، فأخرجهما من عنده، فلما خرجا، قال مخالس لقاصر: “شقي جدك، وسفل خدك، وبطل كيدك، ولاح للقوم جرمك، وطاش عني سهمك، ولأنت أضيق حجرًا من نقاز، وأقل من قرى من الحامل على الكراز” فأُرسلت عبارته مثلًا.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000


شارك المقالة: