تُعدّ الأمثال لدى الشعوب من الكنوز الثمينة والتي وُلدت من تجارب الإنسان عبر الأزمان الغابرة، والتي عاشتها ومرت بها كافة المجتمعات منذ قديم الزمان، وذلك من خلال وقائع ومواقف، استطاعت عقول البشر أن تصوغها بجمل قصيرة موجزة، غير أنها تتميز بكثافة الفكرة، كما أنها تعكس استيعاب وإدراك الإنسان لتلك الحالة، والفطنة والتنبّه لها ثم صياغتها بطريقة أدبية وبلاغية.
والأمثال الشعبية هي واحدة من الخصوصيات الثقافية التي تتسم بها الشعوب، وقد ينفرد شعب ما بترديد مجموعة منها، وقد يشترك فيها مع غيره من الشعوب، مع وجود اختلافات بسيطة، كل حسب أسلوبه ولهجته.
فيم يضرب مثل “أكرم من حاتم”؟
هذا المثل يُضرب في الشخص الذي عُرف عنه السخاء والكرم، وقد ذاع صيت العرب منذ قديم الزمن بالكرم، غير أن حاتمًا الطائي كان من أكثر العرب كرمًا، لدرجة إن العرب أصبحوا يضربون به المثل، فيقولون للشخص الكريم أكرم من حاتم الطائي.
وأما حاتم الطائي، فهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل امريء القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم هزومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي، وقد كان سيد قبيلة طيء التي عاشت بمنطقة حائل في شبه الجزيرة العربية، كما أنه كان شاعرًا وله ديوان من الشعر.
حاتم الطائي خلّف ولدان، هما: “عدي وسفانه”، وكما تقول الأخبار أنهما دخلا في الإسلام بعد بعثة رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما هو فقد اعتنق المسيحية وآمن بالتوحيد وقد توفي قبل الهجرة بستة وأربعين عامًا، وقد قيل أن والدة حاتم الطائي “عتبة بنت عفيف بن أخزم” تشتهر أيضًا بالكرم حتى أن إخوتها قد حبسوها عامًا، كي لا تعطي كل مالها للمحتاجين، وقد ورث عنها ابنها الكرم، وقد ذكر العرب في كرم حاتم حكايات كثيرة.
يُروى عن زوجته “ماوية بنت عفزر” كذلك أنها قد تزوجته بسبب كرمه، والغريب في الأمر أنها طلقته لنفس السبب، إذ إنه كان ينفق كل ماله في إكرام ضيوفه ومساعدة المحتاجين، حتى لو لم يتبقى لأولاده شيئًا يكفيهم لليوم التالي، ولما كانت تشتكي كان يقول لها ويحك يا ماوية إن الذي خلق الخلق متكفل بأرزاقهم.
قصص من كرم حاتم:
تروي زوجة حاتم نوارة أنه قد أصابهم القحط في أحد السنين، إذ جفت الأرض، وضنت الإبل على صغارها، وأصبحت هزيلة من الجوع، وأصبحوا لا يجدون من الطعام ما يسدون به جوع أطفالهم، ثم ذهبوا للنوم وقد تظاهرت بالنوم، غير أنها لم تنم من الجوع، فسألها حاتم أنتِ مستيقظة؟ فلم ترد، فقال: ما أراها إلا قد نامت وما بي من نوم، وفي تلك الليلة جاءتهم جارة لهم، وقالت له: يا أبا عدي، إن صبيتي يبكون من الجوع، فقال لها أتي بهم علي، فقامت زوجته، وقالت له: إنك لا تجد ما تطعم به صبيتك، فكيف تطعم جيرانك؟ فقال لها حاتم: اسكتي والله لأشبعنك!، وقام فذبح فرسه، وأشعل النار وأطعمهم وأعطى للمرأة وأبنائها.
يُروى كذلك أن أحد الرجال سأله ذات يوم، فقال له: هل هناك من هو أكرم منك في العرب؟ فقال حاتم: نعم، لقد مررت يومًا بغلام يتيم وكان له عشرة من الغنم فذبح لي واحدة، وقدمها لي مع الدماغ فاستطيبت دماغها، فخرج وأخذ يذبح الغنم رأسًا رأسًا، ويقدم لي أدمغتها ولم أكن أعلم، حتى إذا خرجت وجدته قد ذبح كل غنمه، فسألته لم فعلت ذلك؟ فقال لي: أتستطيب شيئًا أملكه ولا أجود به؟ إنها سبة عند العرب، فسأل الرجل حاتم: وهل عوضته؟ قال حاتم: أعطيته ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة من الغنم، فقال له الرجل: أنت أكرم منه، فأجاب حاتم: لا، والله هو أكرم منى لأنه أعطاني كل ما يملك وأنا أعطيته القليل.
من قصص كرم حاتم الطائي أيضًا أنه وقع أسيرًا ذات يوم حاتم في قبيلة عنزة، فقالت له امرأة منهم: يا رجل، قم فافصد لنا، “والمقصود بالفصد هو أن يقطع عرق من الناقة، ويُؤخذ دمها فيشويه”، فقام حاتم وذبحها فلطمته المرأة، فقال: لو غير ذات سوار لطمتني، فقالت له النسوة: لقد قلنا لك أفصد الناقة، فقال حاتم هكذا فصدي.