لا شك أن لكل الشعوب التي عاشت على أطراف هذا الكوكب، تمتلك من الميراث الثقافيّ الذي يخصها، ويجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “إحدى حظيات لقمان“.
معنى مثل: “إحدى حظيات لقمان”
يُعرف العرب بالأمثال وهي أسلوبهم في التعبير عن موقف معين بالحكمة التي جُمعت في كلمات بسيطة موجزة، ومن الأمثال المشهورة لدى العرب، مثل: “إحدى حظيات لقمان”، وأما كلمة الحظية فهي تصغير لكلمة “الحظوة”، ومعناها: المرماة.
قصة مثل: “إحدى حظيات لقمان”
لقمان ها هنا هو: “لقمان بن عاد”، والحديث كان بينه وبين اثنين من عاد، هما: “عمرو وكعب ابنا تقن بن معاوية”، كانا يقومان بتربية الإبل، أما لقمان بن عاد، فكان يقوم بتربية الغنم، فما إن رأى لقمان الإبل حتى أعجبته، فطلب شراءها منهما فرفضا، فقام لقمان إلى ألبان غنمه من ماعز وضأن وأنافح، فلما شاهدا ذلك، ما رغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك منهم، قال: اشترياها يا ابني تقن، أقبلت ميسًا،وأدبرت هيسًا، وملأت البيت أقطًا وحيسًا، بمعنى أن الضأن تجز جفالًا، وتنتج رخالًا، وتحلب كثيرًا، ومع ذلك لم يبيعاه الإبل.
في يوم أصاب أرنبًا وقام فأشغل عليه التراب حتى نضج فأكلاها فقال لقمان يا ويلة أنيئة أكلاها أم الريح اقبلاها أم بالشبخ اشتوياها، فلما رأى أنهما لم يغفلا عن الإبل قط، قام بخداعهما، وقال: ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة؟ فقال أحدهما: إنها حطب ولا أحمل معي غير نبلين، فإن لم أصب بها،فلست بمصيب، فبددت النبل غير سهمين، فعمد لقمان للنبل، فحواها، ولم يصب منها بعد ذلك، وقد كان لعمرو بن تقن زوجة طلقها، وتزوجها لقمان، وكانت المرأة تقول: “لا فتى إلا عمرو”، وكان ذلك يغيظ لقمان، ويذكرها بسوء، وقال لها: والله، لقد أكثرت في عمرو، فوالله، لأقتلن عمرًا، فقالت له: لا تفعل.
كان لهما شجرة من الطلح يجلسان في ظلها حتى ترد الإبل، فصعدها لقمان، واتخذ فيها عشًا رجاء أن يصيب منهم غرة، فلما أتى عمرو بالإبل على البئر، رماه لقمان بسهم في ظهره، وقال هذي إحدى حظيات لقمان، فأصبح ذلك مثلًا، يُضرب لمن اشتهر بالشر، فإذا جاءه شر من جنس أفعاله، قيل: إحدى حظيات لقمان أي أنه جوزي بفعلة من فعلاته.