الأمثال والحِكم عند العرب

اقرأ في هذا المقال


لقد شغف العرب منذ القدم، بالأمثال واهتدوا بأذواقهم الفطرية إلى ما فيها من أفكار فذّة وجمال بلاغي، فميزوها على سائر الأحاديث، ورووها ونسبوها إلى الحكماء والعرَّافين وغيرهم، ونسبوا قضايا وأحداثًا تتمخض عن مثل، أو ما يجري مجرى المثل، إلى الحيوانات في شكل حكايات وروايات طريفة، فأخذت صفة الفلسفة والأدب لما فيها من حلاوة تعبير ينتمي إلى الأدب، وما فيها من عناصر الفكر والفلسفة، وإن كانت تبعد في انتمائها إلى المنهج الأدبي والفلسفي، كقولهم من الأمثال العربية: ” كمجير أُم عامر”، فالأمثال التي هي مرآة النفس ونماذج الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار، تهدي النفوس بما أدركت عيانًا حتى تتيقن بها القلوب وتستقر النفوس وتنشرح الصدور لمن غاب عن الأشياء وخفيت عليه مفاتيح الأمور.

أشهر من قال الأمثال من العرب:

لقد كان من أشهر من قال الحكم والأمثال من رجال العرب قبل الإسلام: “أكثم بن صيفي التميمي، ثم عامر بن الظرب، ثم ذو الأصبع العدواني “، ومن النساء: ” هند بنت الخس وجمعة بنت حابس وابنة عامر بن الظَّرب التي كانت من أعظم حكيمات العرب في عصرها”، وليست الأمثال من صنع فرد أو مجموعة أفراد، بل هي من صنعة جماعات أُفردت لها الكتب والمجلدات كأمثال العرب للميداني وغيره باعتبارها أول نثر عربي تميز بالفنية القومية على سائر الأحاديث، ولقد أمتد الاهتمام بالمثل في الأُصول البلاغية والقيم الفنية.

المثل من وجهة نظر الأدباء والكتّاب العرب:


قال المبرِّد: “المثل نوع من التشبيه”، وأما البخاري، فقال: “إن المثل نوع من التمثيل والتقريب”، وللجاحظ قوله في المثل، إذ قال: ” إن المثل صورة منتزعة من عدة صور فهو بلاغة وإرشاد، والفرق بينه وبين الشبيه أنه يدل على المساواة أو التقارب على حين التشبيه يدل على الاشتراك في صفة والاختلاف في أكثر من صفة بين المشبَّهين”، وقد قال فيها:
افهم عن الأيام وهي نواطــقٌ ما زال يُضرب صرفها الأمثـالَ
لم يمضِ في دنياك أمرٌ معجبٌ إلا أرتـــكَ لما مضى تمــــــثالا.

بمَ يختلف المثل عن الحكمة؟

يختلف المثل عن الحكمة اختلافًا واضحًا ومميزًا، فالحكمة هي عبارة عن تبلور لفكرة، وطرح المفيد المختصر منها عن طريق تأمل الحكماء، ولا تصلح للتمثل بها، ولا تتكرر روايتها كونها جاءت من تأمل خاص وفي حالة خاصة تمتد فائدتها من أجيال إلى أجيال لإنارتها الذهنية، وكما قال الجاحظ: ” لا أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب “، في حين أن المثل هو عبارة عن خاطرة ” أو عبارة ” انبثقت من المحادثات الشعبية العادية، أو تداعي الخواطر في سياقها بلا تفكير فلسفي، وبلا صناعة أدبية، كما تستدعي الحالة أن تجعل أداءه جديدًا، فيُضرب في حالة تشابه الحالة التي قيل فيها لأول مرة، على حين الحكمة عبارة عن تجربة قضية أو حدث نهتدي بإشعاعها ولا تَعذُب إعادة تعبيرها.
سُـئل أعرابي: ما هي الحكمة؟ فقال: شيء ينبت في قلوبنا، ويثمر في ألسنتـنا، وسُـئل ما هو المثل؟ فقال: شيء يأتينا فنحسه، فنقوله، ونعيده في كل مقتضى، لذلك فقد يكون المثل أكثر واقعية وأكثر مدلولاً كما في قولهم من الأمثال اليمانية: (سَارِق ومُضَارِبْ)، على حين يغلب التأمل الذاتي على الحكمة كما في قولهم من الحكم الشائعة: “آخِذ السارق والمسروق عَلَى السواء”، وهذا هو سر الفرق بين الحكمة والمثل.

الأمثال والحكم في القرآن الكريم:

قد يأتي المثل أو تأتي الحكمة من آية قرآنية أو من حديث شريف لنبي الأمة محمد بن عبدالله، واعتاد الناس على تكرارها استشهادًا بمواقف معينة فجرت تلك الآيات والأحاديث مجرى الأمثال، فتداولها عامة الناس، قال تعالى:{ويَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ للنَّاسِ لعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونْ} ( إبراهيم – الآية 25 ). وقال تعالى: {ألم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كشَجَرَةٍ طيِّبَةٍ أصلُهَا ثابِتٌ وفرعُها في السَّماء} (إبراهيم الآية 24). وقال تعالى: {وَاضرِب لَهُم مَثَلاً رَجُلَينِ جَعَلنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَينِ مِن أعنَابٍ وحَفَفنَاهُمَا بِنَخلٍ وجَعَلنَا بَينَهُمَا زَرعَا} ( الكهف الآية 32 ).

لقد تمّ تداوّل معظم الحكم والأمثال العربية بين المجتعات العربية، وامتزجت مع اللهجات المحلية العربية، وأصبحت بعضها لا تختلف كثيرًا عن غيرها، كواحدة من تراث العرب الشعبي المتميز والفريد، ولو أنها لم تنل إلا القليل من الحظ والاهتمام والتوثيق في بعض الدول العربية، من قبل الأدباء والكتّاب العرب، فأصبح غائبًا عن الأنظار، وضائعًا قي الفيافي والقفار، حتى أصبح في عالم النسيان على الأغلب.


شارك المقالة: