العظمة شيء والآدمية شيء آخر

اقرأ في هذا المقال


كلّ الشعوب التي دبّت بخطاها على وجه الأرض، تمتلك الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما أنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “العظمة شيء، والآدمية شيء آخر”.

أصل مثل “العظمة شيء والآدمية شيء آخر” وفيم يضرب؟

يعود أصل مثل “العظمة شيء، والآدمية شيء آخر”، إلى العهد العثماني، وبالتحديد فإنّ صاحبه رجل من ديار بكر، الذي عانى من ابنه، سيّء السيرة والسريرة، وهو يُضرب في الشخص يتغيّر ظاهره، ويرتقي في مناصب الدنيا، ويبقى في داخله سيء الأخلاق والسريرة.

قصة مثل: “العظمة شيء والآدمية شيء آخر”:

أما قصة مثل: “العظمة شيء، والآدمية شيء آخر”، فيُروى أنّ رجلًا من ديار بكر، إحدى المدن العثمانية النائية، كان عنده ابن سيء السيرة والسريرة، وحين قطع الرجل الأمل من صلاح ابنه، طرده عنه قائلًا له: “إنك لن تصير آدميًّا”،فما كان من الابن إلا أن ذهب، ودخل في الجندية، حيث إنه أظهر تفوقًا، وصار يرتقي إلى أن أصبح بعد وقت طويل “صدرًا أعظم”، أي رئيس وزراء في الآستانة، وفطن حينئذ إلى والده الذي حكم عليه حكمًا مطلقًا أنه لن يصير آدميًا، وأرسل يستدعيه تحت التحف، دون أن يخبر أحدًا أن المطلوب إحضاره هو أبوه.

جاء الجنود إلى الرجل مخفورًا ذليلًا من مدينة ديار بكر إلى الآستانة، التي قيل إن المطلوب إليها مفقود والخارج منها مولود؛ بسبب ظلم حكامها وسوء معاملتهم لرعاياهم، وهناك استدعاه الصدر الأعظم اليه، فمثل بين يديه، فحيّا الصدر مرتعدًا من الخوف، دون أن يتجرأ من رفع نظره إلى الصدر الأعظم،فسأله الصدر الأعظم عن ابنه، فظنّ الرجل أن ابنه هذا، لا بد أن يكون قد ارتكب جريمة من حجم الخيانة العظمى، وهذا ما استوجب إحضاره بهذه الطريقة المخزية إلى الآستانة، فقال وهو يرتعد من الخوف: “ابني المذكور، يا سيدي، كان سيء السيرة والسريرة، رديء الأخلاق، وحينما يئست من جعله آدميًّا، تبرأت منه وطردته عني منذ وقت بعيد، وأنا لا أعرف عنه شيئًا، ولست مسؤولًا عنه”.

لما سمع الابن كلام أبيه، قال: “أنا هو ابنك، وها قد أصبحت صدرًا أعظم”، فرفع الرجل رأسه، وحدّق مليًّا في وجه ابنه، وقال:” أنا لم أقل إنك لن تصير صدرًا أعظم، لكنني قلت إنك لن تصير آدميًّا، ومازلت عند ظنّي فيك”، ” فالعظمة شيء، والآدمية شيء آخر “، ومنذ ذلك الوقت صارت العبارة مثلًا يجري على ألسنة الناس، ويُضرب في المواقف التي يستحيل فيها أن يتغير الشخص، وإن تغير في ظاهره.


شارك المقالة: