كثيرة هي الأمثال الشعبية العربية التي تبرز دور المرأة وتخلّده خلال الزمن، وهي كذلك تبين مدى دهائها وقدرتها على القيام بالمهام التي يقوم بها الرجال من فنون القتال والحرب، وقصة المثل غريبة بالفعل، وهو عن امرأة ما استطاعت أن تقف مكتوفة الأيدي أمام سرقة اللصوص لحيّها.
مزنة المطرودي
الأميرة مزنة بنت منصور المطرودي (صاحبة قصة الشجاعة والدهاء المشهورة بشجاعتها وهي المقصودة بالمثل القديم “الله يرحم مزنة” فما قصة هذا المثل؟
قصة مثل الله يرحم مزنة
أما قصة المثل فيُحكى أنه لما ذهب أبو مزنه المطرودي بصحبة رجال الحي؛ كي يؤدوا صلاة الجمعة في عنيزة، وقد كانت المسافة التي تفصلهم عن مسجد عنيزة مسافة كبيرة جدًا تبلغ حوالي سبعة كيلو مترات، وقد اعتاد رجال القرية أن ينزلوا بعد أداء الصلاة بضيافة أحد معارفهم بعنيزة لشرب القهوة، فكانت تطول غيبتهم حتى مغيب الشمس، وفي ذلك الوقت كانت نساء الحي يبقين بمفردهن لحين عودة الرجال.
عادتهم تلك جعلت قطاع الطرق يتشجعون للإغارة على قرية العوشزية وسرقة الماشية في ظل غياب الرجال، وبالفعل هجم اللصوص على القرية، وقاموا بتجميع الماشية، وساقوها عكس اتجاه عنيزة كي لا تواجههم المتاعب، لم تستطيع مزنه المطرودي الفتاة الأبية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام سرقة حلال والدها، فتحركت على الفور وارتدت زي أخيها، ووضعت العقال على رأسها ولثمت وجهها، ثم امتطت الفرس وجعلت بعض النساء يفعلون مثلها ويحيطون بها كأنهم بطانة الفارس.
انطلقت مزنة بفرسها تعرض حركاتها على فرسها، وأظهرت شجاعة لا نظير لها، غير أنها لم تقترب كثيرًا من اللصوص، وقد حافظت على مسافة تسمح لهم برؤيتها لتثير فيهم الفزع، وتجعلهم يشعرون بأن في القرية فرسان، وهي ليست خاوية على عروشها، وبعدها اقتربت منهم حينما شعرت أن الخوف بدأ يتسلل إليهم، وأمرتهم بصوت أجش أن يعيدوا ما سرقوا، وإلا طلقت النساء بالثلاث وكان هذا اليمين وقتها عظيمًا، وكانت بيدها بندقية تشهرها بوجههم، وتقف على الفرس مستعرضة مهاراتها، ومن خلفها يفعلن النساء كما تفعل هي.
خاف اللصوص من هؤلاء الفرسان الملثمين، وقاموا بالاتجاه إلى الحي كي يعيدوا المواشي، وهم أذلاء، ولما سألها اللصوص عن هويتها، قالت لهم: إنها حامد المطرودي، وبعدها استقبلتهم في ضيافتها لما ردوا الغنائم، وقامت نساء الحي بإعداد القهوة والعشاء لهم، ولم يُعرف الأمر إلا عندما رجع الرجال من عنيزة، وعلموا بالخبر بعد أن رحبوا بضيوفهم، فقد أصر اللصوص على معرفة الفارس الذي أرهبهم في غياب باقي الرجال، وهنا أعلن الأب عن هويته، وأخبرهم أن الفارس لم يكن سوى ابنته مزنه، ومن يومها يُضرب ذلك المثل في الشجاعة والإقدام، فيترحم الناس على مزنه.