عُدّت الأمثال من أصدق أنواع النثر، والسبب أنها تتحدث عن الأمم تفكيرًا وعادات وأخلاقًا، وهي أيضًا تصور حياة المجتمع بكافة جوانبها، وتعكس شعور قائلها ومن يتمثل بها بشكل دقيق، وتُعتبر الأمثال مرآة الحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية، وفي الحقيقة تُعدّ الأمثال أقوى دلالة من الشعر في ذلك؛ لأن الشعر لغة طائفة ممتازة، أما هي فلغة جميع طبقات المجتمع، والأمثال وسيلة للوصف والحكمة والتدليل على الرأي و وجهة النظر والفلسفة في الشعوب وعاداتها والقيم والسلوك والصفات والسمات للآخرين، فهي أبقى من الشعر وأرق من الخطابة ولم يسر شىء سيرها.
الليل في أمثال العرب:
ما أكثرها الأمثال التي تتحدث عن الليل في حياة الإنسان، ولعل أشهرها: “الليل أخفى للويل”، ومعناه افعل ما تريد ليلًا، فإنه أستر لسرّك، وأول من قال هذا المثل سارية بن عويمر أبي عدي العقيلي، قال أبو هلال: المثل لأكثم بن صيفي يقول: إذا أردت أن تأتي بريبة فأتِها ليلًا فإنه أستر لها، وكتب عبدالله بن طاهر إلى ابنه وقد بلغه عنه إقباله على اللهو:
“انصب نهارًا في طلاب العُلا واصبر على حر فراق الحبيب
حتى إذا الليل بدا مقبلاً واستترت عنك عيون الرقيب
فبادر الليل بما تشتهي فإنما الليل نهار الأريب”.
ورد عن بعض العرب قولهم: “الليل أعور”، وقد رواه الثعالبي في التمثيل والمحاضرة وقال: لا يُبصر فيه ولا يكون الإنجاز فيه تامًّا، وبذلك فسره النويري، وسُمع من العرب كذلك: “الليل جنة الهارب”، وأنشد بالحجاز فتى من هلال:
“فلم أرَ مثل الليل جُنَّةَ هارب ولا مثل حد السيف للمرء صاحبا”.
قصة مثل “الليل أخفى للويل”:
مثل “اللَّيْلُ أَخْفى لْلِوَيلِ”، ترجع قصته إلى رجل ينصح صديقه بعدم الخروج في الليل لكي لايراه من يتبعه ويريد قتله، ففي إحدى جلسات العرب، وعلى أثر خلاف في الرأي، اعتدى “ثور بن أبي سمعان” بالضرب على “توبة بن الحمير”، فأمر كبير الجلسة ثور بأن يجلس بين يدي توبة؛ ليأخذ حقه منه، ولكن توبة رفض القصاص حينئذ، وقد سُمع عن توبة قوله:
“إن يمكن السيف فسوق انتقم أو لا فإن العفو أدبى للكرم”،
وأخذ توبة يتربص بعد ذلك بثور، إلى أن علم أنه ذهب عند رجل يُدعى “سارية” يريد الماء، فلما أراد ثور الانصراف، حذره سارية قائلًا: اخرج في الليل، فإنه أخفى للويل، فلست آمن عليك من توبة، فلما خرج في الليل تبعه توبة وقتله ثم قتل توبة بعد ذلك، فصارت الليل أخفى للويل مثلًا، والمراد من المثل: افعل ماتريد ليلًا، فالليل أستر لك ولسرك.