ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر

اقرأ في هذا المقال


يعد المثل الشعبي مرآة عاكسة لتاريخ الشعوب وعاداتها وتقاليدها، وهو يحمل في طياته حكمة وعبرة تستمد من تجارب الحياة. ومن الأمثال العربية التي تحمل في طياتها درسًا بالغ الأهمية مثل: “ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر”. هذا المثل العريق يحذرنا من مغبة إعطاء المعروف لمن لا يستحقه، ويؤكد أن الإحسان يجب أن يكون موجهًا إلى أهل الاستحقاق والشكر.

الأمثال العربية المتداولة على ألسنة الناس

يكثر الحديث عن أصول البعض من الأمثال العربيّة المتداولة على ألسنة الناس، وقد تبين أن الأمثال تعكس ثقافة الشّعوب والأمم على الرغم من اختلاف أديانهم وانتماءاتهم وطبقاتهم، فالأمثال إذًا في الواقع تمثل أفكار تلك الشعوب وتقاليدهم بألفاظ بسيطة سهلة، وعبارات موجزة دقيقة، وممن تحدث عن طريقة وضع الأمثال ابن الأثير الذي قال: أنّ العرب وضعت تلك الأمثال لحوادث مطابقة لهذا الحدث مرّت به فكان المثل كالعلامة لهذا الشيء.

لماذا يضرب مثل ومن يصنع المعروف في غير أهله

نقف اليوم مع هذا المثل والذي يستند إلى قصة واقعية، ويُعدّ هذا المثل من أكثر الأمثال شهرة في بلدان الوطن العربي، ويُضرب هذا المثل حي يجود أحدهم بالمعروف والإحسان مع من هو ليس أهل للمعروف، ولا يستحق الجود، فيكرم هذا، ويساعد ذاك، غير أنهم في النهاية يمكرون له بقلب أسود وعين غاشية، فيكون جزاء المعروف نكرانه ومقابلته بالإساءة.

قصة مثل ومن يصنع المعروف في غير أهله

يُحكى أن نفرًا من العرب خرجوا للصيد، فتعرضت لهم أنثى الضبع فقاموا بمطاردتها، وكان العرب يطلقون على أنثى الضبع “أم عامر”، وكان يومًا حرّه شديد، فلاذت الضبع إلى منزل رجل أعرابي، فلما شاهدها ألفاها مجهدة ومنهكة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهرًا سيفه، وسأل القوم: ما بالهم؟ قالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رقّ قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدّم لها الحليب، فشربت حتى ارتدّت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة.

نام الأعرابي وهو يشعر براحة البال والفرح بالذي قدمه لأنثى الضبع من إحسان، غير أن أنثى الضبع بغريزتها وطبيعتها المفترسة، أتته بينما هو نائم، ونظرت إليه، ثم انقضت عليه، وقامت ببقر بطنه والشرب من دمه، وبعدها تركته وسارت، وفي صبيحة اليوم التالي، وحين أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولًا، وعلم أن الفاعلة هي أم عامر أنثى الضبع، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة.

لما رأى ابن عم الأعرابي ما آل إليه حال ابن عمه، جزاء ما قدم من معروف لأنثى الضبع، أنشد أبياتًا من الشعر مشهورة، والتي صارت مثلًا تتناقله ألسنة الناس حتى وقتنا هذا:

ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِ يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أمِّ عامرِِ

أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ طعامًا وألبان اللـــقاح الدرائر.


شارك المقالة: