يقول علماء اللغة إن المثل ليس مجرد نوع من أنواع فنون الأدب الشعبية، إنما هو عمل كلامي يجذب ويجبر قوة معينة على التحرك، ويعتقد الشخص الذي يقول المثل أنه يؤثّر أعظم التأثير في مسار الأمور وسلوك الناس، فالمعنى والغاية يجتمعان في كل أمثال العالم، وإن اختلفت في تركيب جملها أو في صلاحها أو مدلول حكمتها أو سخريتها، فالأمثال كتاب ضخم يتصفّح فيه القارىء أخلاق الأمة وعبقريتها وفطنتها وروحها.
فيم يضرب مثل “فلان أحمق من هبنقة”؟
تقول العرب: “فلان أحمق من هبنقة”، وهو مثل يُضرب في شدة الغباء والحماقة، فقول العرب في أمثالهم: “فلان أحمق من هبنقة”، ذلك حين يبلغ الحال بالأشخاص مراتب متقدمة لوصف سوء التصرف والعاقبة، والتي تأتي من قبل الحمقى، والذين يُقال عنهم في التعبير الدارج: “الأشخاص الذين قفلوا أدمغتهم وأضاعوا المفتاح”.
وأما هبنقة هذا فهو أعجوبة من أعاجيب الزمان، فقد كان يعلق في عنقه قلادة من ودع، وعظام وخزف، فلما سئل عن سرها، قال: أخشى أن أضيع نفسي، ففعلت ذلك لأعرفها، وأعثر عليها إن ضاعت، وذات ليلة سرق أحد الظرفاء القلادة، وعلقها في عنق شقيق هبنقة، فلما رأى أخاه قال له: يا أخي أنت أنا، لكن من أنا؟!
فلسفة هبنقة وحمقه:
كان هبنقة يمتلك فلسفته الخاصة وطريقته في رعي الإبل، إذ إنه كان يرافق الإبل الثمينة إلى المراعي الخصبة، أما الإبل المهازيل فقد كان يأخذها إلى المراعي القحط الفقيرة، ولما سئل عن سبب فعله ذاك، قال: الله خلقها هكذا، وليس من شأني أن أغيّر خلق الله، وأما حماقة هبنقة، فهناك الكثير من الحكايات، إذ إنه أضاع في أحد المرات بعيرًا، فخرج ينادي بين الناس، إن من يجد بعيري، يأخذه له حلال عليه، فضحك الناس، وقالوا له: ماذا ستستفيد أنت في محصلة هذا العمل؟ فقال: كيف لا أستفيد، أنا آخذ الحلوان.
لهبنقة في فض الخلافات قصص طريفة، ففي أحد الأيام، اختصمت قبيلة “طفاوة” مع قبيلة “راسب”، حول رجل حكيم، وزعمت كل واحدة، أنه عرّافها، وكان الحكم في الخلاف هبنقة، فقال: نرمي الرجل في الماء، فان طفى فهو من طفاوة، وان رسب فهو من بني راسب، وقد جرت مقولة: “أحمق من هبنقة”، على ألسن الناس؛ وذلك بسبب شدة حماقته وعجب تفكيره، فأصبحت مثلًا مشهورًا، تناقله الناس على مر العصور إلى وقتنا الحالي.