لقد اختلفت العصور والأزمنة، وانتقل الإنسان من عصر إلى عصر، ومن حديث لأحدث، ومع ذلك تبقى الأمثال الشعبية والفصيحة مع الإنسان وتستمر، فنجدها رفيقة المواقف والأحداث، تصوّرها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي الأمثال ذاتها التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجية النصح للآخرين، وأما االمثل الذي نحن بصدد التعرّف عليه فهو: “كلٌُ يرى الناس بعين طبعه”، وبالطبع سنتعرف سويًّا إلى قصة ظهوره، والتي تتباين وتختلف حول حقيقة هذا الأصل، حيث سيتم ذكر القصتين الأكثر شهرة لظهور مثل: “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”.
قصة مثل كلٌّ يرى الناس بعين طبعه:
مثل “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”من الأمثلة الشائعة المشهورة بين الناس، وقد يختلف الكثيرون في معرفة التاريخ والزمن الأصلي لظهور بعض الأمثال الشعبية، وكما أنه يصعب أن نستوضح المواقف الحقيقيّة التي وُلدت منها تلك الأمثال، ومع ذلك كله تبقى الأمثال قوية صامدة، إذ يتم تداولها بين عامة الناس، ولعلّ مثل “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه” من أبرز الأمثال العربية المتناقلة بين أبناء الدول العربية.
أما قصة المثل فقد اختلفت الآراء وتباينت حول الموقف الحقيقي الذي منه جاء هذاالمثل وعُرف، غير أن الموقف الأكثر شهرة هو أنه كانت توجد في مكان ما مدينة غريبة جدًّا، إذ كان السكان فيها لا يستطيعون إبصار بعضهم البعض وكأنهم عميان، إلا أنهم كانوا يستخدمون حاسة السمع في التعامل مع بعضهم، وكانوا يتحركون عن طريق صدى الصوت مثل الوطاويط، وبالمقابل كانت هناك منطقة صغيرة في المدينة لا يستطيع أي إنسان أن يذهب إليها؛ وذلك لأنها عُرفت أنها بلا صدى صوت، لذلك كان يخشى الناس من الذهاب إليها حتى لا يتيهون فيها.
في يوم من الأيام اتخذ مجموعة من الشباب قرارًا بأن يقوموا بالذهاب إلى تلك المنطقة، وذلك كي يعرفوا السرّ وراء انعدام صدى الصوت في تلك المنطقة، وبالفعل اجتمع الشباب ومشوا مع بعضهم البعض، وهم يستمرون في الحديث، وذلك كي يتأكدوا أنهم ما يزالوان مع بعضهم وأنهم لم يتيهوا، وعندما وصلوا إلى تلك المنطقة المزعومة اكتشفوا شيئًا خياليًا وغريبًا بالنسبة لهم، لقد اكتشفوا أنهم يستطيعون أن يروا بأعينهم، حيث رأى جميعهم بعضهم البعض، وتعرفوا على المكان وهم في قمة الذهول والدهشة، بينما الشباب كذلك في قمة دهشتهم واستغرابهم من الحال الذي هم عليه، حيث ظهر لهم شيخ كبير تبدو عليه علامات الهيبة والوقار، والذي تحدث قائلًا : :أهلًا بكم في عين طبعه”، ومنذ ذلك الحين عُرف المثل الشهير: “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”.
قصة أخرى للمثل:
إليكم قصة مشهورة أخرى لمثل “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”، فمن المواقف والقصص التي عبرّت عن هذا المثل كذلك، موقف الرجال الثلاثة الذين كانوا يمشون في طريقهم، فرأوا رجلًا يقوم بالحفر في أحد جوانب الطريق، فبدأ أحدهم الحديث قائلًا: لابد أن هذا الرجل قد قتل واحدًا من الناس، وهو يريد أن يدفنه أثناء هذا الظلام كي لايراه أحد.
بينما الثاني فلقد صرح برأي آخر يختلف عن الأول، إذ قال: لا، فيما يبدو أن هذا الشخص ليس قاتلًا، إلا أنه لا يأتمن أحد على ممتلكاته فهو يقوم بتخبئتها هنا، أما الثالث فكان له رأي يغاير الاثنين الآخرين، إذ تحدث قائلًا: لا أظن كلامكما صحيحًا، فالذي يبدو لا هذا ولا ذاك؛ إن هذا رجل صالح يحفر بئرًا من أجل أن يستخرج الماء، ومن هنا تأتي العبرة: أن الصالح يرى غيره من الناس صالحين، وأما الفاسد فيراهم فاسدين، وهكذا يأتي المثل “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”.
المثل ينطبق على كثير من جوانب الحياة، فقد يتصرف أحدهم بطريقة عفوية، لا يقصد بها أن يؤذي أحدًا، أو قد تكون تصرفاته طبيعية جدًّا، ولا يقصد بها سوء النية أو الخبث، غير أنه يصطدم بأولئك الذين يحكمون عليه بسوء النوايا، ذلك لأنهم هم هكذا لا يعرفون العفوية، وإنما تربيتهم كانت على الخبث والدناءة، فيظنون بالناس ظنهم بأنفسهم، ونجد بالمقابل آخرون لا يعرفون إلا النقاء وطيب النفس والعفوية، فمن بين أناس يبنون حياتهم بالصعود على أكتاف الآخرين بتشويه سمعتهم، وادعائهم الحب والبراءة، والخوف على مصلحة الآخرين، وآخرين محبين للخير، تملأ قلوبهم أحسن الأخلاق، نجد مثل “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”.