إن الأمم التي عانقت الحياة على أطراف المعمورة، لها من الإرث الثقافيّ ما يخصها، وهو بدوره يجعلها تتفرد به عن غيرها من الأمم، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “لا احم ولا دستور”.
أصل مثل “لا احم ولا دستور”:
إن للأمثال الشعبية دورها الكبير والبارز في حياة الشعوب، فكثير من الناس يرددونها على ألسنتهم لدرجة أنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حديثهم اليومي، وكل ذلك من دون أن يعرفوا معناها أو الأصل الذي وردت فيه، ففي كثير من الأحيان نسمع مثل: “لا احم ولا دستور”، والذى يردده الكثيرون في حالة أن يدخل امرؤ ما مكانًا ما من غير أن يستأذن، فيُقال له عند ذاك: “داخل هكذا لا احم ولا دستور”، غير أن حكاية هذا المثل لا يوجد لها علاقة بالاستئذان إطلاقًا، أما أصل المثل فيرجع إلى فترة عشرينات القرن المنصرم، وتحديدًا إلى زمن الملك فؤاد في مصر، وله قصة سيتم ذكرها فيما يلي.
قصة مثل “لا احم ولا دستور”:
أما قصة مثل: “لا احم ولا دستور”، فيُروى أنه في عشرينات القرن الفائت، وبالتحديد حين أصدرت وزارة إسماعيل صدقي، في عهد الملك فؤاد، قرارًا بأن يتعطل العمل بدستور عام ألف وتسعمئة وثلاثة وعشرين، الأمر الذي فاقم من عناء وألم الشعب من فساد الملك وحكومته، وحدث في إحدى الليالي، وخلال مرور أحد الأشخاص في شوارع القاهرة، والذي كان يتألم أثر نوبة سعال، إذ صادف حينها وجود أحد عسكر الدورية الليلية، فكلما اقترب هذا الشخص المريض من العسكري، ازداد عليه السعال، وصار يقول: ” احم، احم”، فانزعج العسكري من هذا الأمر، فقال له: ” امشِ في حالك يا مواطن”، فما كان من المواطن إلا أن رد عليه قائلًا: “يعني لا احم ولا دستور”، فانتشرت المقولة بين الناس حتى صارت مثلًا يرددونه إلى يومنا هذا.