إن الأمثال تتسم بالميل الواضح إلى القصر في معظمها؛ وذلك أن العربي طبع على الإيجاز، لا الإطناب، ولأن الأمثال أسرع إلى الحفظ، وهي أشيع في البقاع، وأكثر ما تكون هذه الأمثال موجزة، ومتضمنة حكمة مقبولة، أو تجربة صحيحة، تمليها عليها طباع العربي بلا تكلف، وإنما يؤتى بها في كلامهم كالملح في الطعام، وقد تمثل بها بعض المسلمين في الصدر الأول.
وقد تمثل العرب بالأمثال وشرحوا قصصها، لتقريب فكرة ما، فكانت حاضرة متمثلة في الأذهان؛ لما فيها من الفكر السليم، وإعمال العقل والحكمة والرأي الثاقب، فتكون شاهدًا لمن يسمعها، وبشكل خاص للذين يرفضون النصح ويأبونه، سواء أكانوا من المحكومين أو الحاكمين، أو من الذين يرغبون ويميلون إلى السير على الطريق السوي القويم، والأمثال كذلك مقدمة لمواعظ أخلاقية مباشرة ممزوجة بالتسلية والمتعة، مع الإشارة إلى أن كثيرًا منها تتشابه في موضوعاتها، وفيما يلي سيتم ذكر مثل “خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري”.
فيم يضرب خلا لك الجو فبيضي واصفري؟
خلا لك الجو فبيضي واصفري، هو مثل من شعر عربي قديم، وقد أصبح هذا البيت الشعري مثلًا تتداوله الأجيال، ويدور على ألسنة العامة في مختلف الأزمان، حتى أصبح من أشهر الأمثال في التراث العربي الأصيل، وهو يُضرب مثلًا للرجل يخلى بينه وبين حاجته، فكم هو جميل هذا المثل، والأجمل هي قصته، فإليكم قصة مثل “خلا لكِ الجوّ، فبيضي واصفري”.
قصة مثل “خلا لك الجو فبيضي واصفري”:
يُقال إن أول من قال عبارة “خلا لك الجو فبيضي واصفري”، في الشعر العربي القديم، هو الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، قصة مثل ” خلا لك الجو فبيضي واصفري” فيُروى أن طرفة بن العبد قال ذلك، لما كان مع عمه في سفر، وهو صبي، إذ نزلا على ماء، فذهب طرفة بن العبد الشاعر بفُخيخ له، فنصبه للقنابر، وبقي عامة يومه، فلم يصد شيئًا، ثم حمل فخّه ورجع إلى عمه، وتحمّلوا من ذلك المكان، فرأى القنابر، يلقطن ما نُثر لهن من الحبّ، فأنشد طرفة بن العبد قائلًا: “يالك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي واصفري
وتقري ما شئت وتنقري قد رحل الصياد عنك فأبشري
ورفع الفخ فماذا تحذري لابد من صيدك يومًا فاصبري”.