اقرأ في هذا المقال
- أصل مثل “من راقب الناس مات همًّا”
- فيمَ يضرب مثـل “من راقـب الناس مات همًّا”؟
- قصة على مثل “من راقب الناس مات همًّا”
- العبرة من مثل “من راقب الناس مات همًّا”
لكل أمة من الأمم التي تدبّ بقدميها على سطح هذه البسيطة موروثها الثقافي الخاص بها الذي يميزها عن غيرها من الشعوب، وذلك الموروث يعبّر بدوره ويصور الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل، مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.
من المعيب على الإنسان أن يراقب غيره من الناس، من باب الحسد، أو الفضول؛ فينظر إلى ما بين أيديهم، ويكشف عيوبهم؛ ذلك أنه يملك الرغبة، والدافع والوقت ليضيعه فيما لا يعنيه، وهناك الكثير من الناس لا ينفكون عن مراقبة الآخرين، لمعرفة حاضرهم ومستقبلهم، رغم ضغوط الحياة التي تزداد يومًا تلو الآخر، ويتفق المختصون بأن هذه الظواهر سلبية للغاية، وتحدّ من إبداع الناس وسيرهم إلى الأمام، وتعدّ من التصرفات البعيدة عن الأخلاق والثقافة، والغريب أن هناك من يتقن هذا الدور ويتمادى فيه إلى أبعد مما يحق له، ولا شكّ أن الأمثال ما تركت شيئًا إلا وأحاطته بالتعبير، ومثلته وصورته أدقّ التصوير، ولعل من الأمثال المشهوزة، والتي يردّدها الناس بشكل كبير مثل: “من راقب الناس مات همًّا”.
أصل مثل “من راقب الناس مات همًّا”:
أما صاحب مثل “من راقب الناس مات همًا”، فهو شاعر من العصر العباسي يُدعى: “سلم بن عمرو” المولود في البصرة، وقد ورد المثل في واحد من أبيات شعره، والذي قال فيه:”من راقب الناس مات همًّا وفاز باللذة الجسور”، وهو من الأبيات الشعرية التي عاشت سنين طويلة، وستبقى مع البشر ما دامت الحياة الإنسانية البشرية مستمرة، كما أن هذا البيت الشعري كان ومازال أشهر من بيت الشعر الذي قاله أستاذه الشاعر العباسي “بشار بن برد” الذي قال في هذا المعنى والمضمون: “من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج”، وهذه الإطلالة السريعة على قصة بيت الشعر الشهير “من راقب الناس مات هما”، تسوقنا للحديث حول معانيه ومضمونه فهناك من يفسر البيت بمعنى، وهناك آخرون يفسرونه بمعنى آخر.
أما مقصد الشاعر في بيته كما يراه البعض أن من يراعي الناس في أفعاله؛ فإنه سيقضي على نفسه ويموت من الهم لأنه لن ينجز أي شيء، فكل عمل أراد أن يعمله تركه لأن الناس ستقول عنه كذا و كذا، فلا يتجرأ على أن يقدم على أي شيء أما قول الخاسر: “و فاز باللذة الجسور”، فكان يعني فيه الشخص المقدام الذي يفعل كل شيء يراه مناسبًا دون أن يفكر بالالتفات إلى انتقادات الناس وآرائهم، بهذا يمكن أن نقول بأن الشاعر قصد بذلك أن إرضاء الناس غاية لا تدرك ولن تدرك، فليفعل كل واحد منا أي شيء يراه مناسبًا، شرط أن يكون ذلك في حدود رضا الله تعالى، ودون أن يلتفت إلى أي أحد، وهذا هو المعنى الذي ابتعد عنه كثير من الناس، ليتراءى لهم المعنى الآخر وهو التجسس ومراقبة حياة الآخرين.
فيمَ يضرب مثـل “من راقـب الناس مات همًّا”؟
مثل “من راقب الناس مات همًّا”، من الأمثال العربية المشهورة، والتي تبين الأثر السيء لمراقبة الآخرين، والتطفل على حياتهم، وهو يُضرب في حال وجود من يتجسس على الناس، ويقوم بمراقبتهم، رغبة منه في إشباع فضوله، وملء وقت فراغه بما لا يعنيه في محاولته لمعرفة خصوصيات الناس.
قصة على مثل “من راقب الناس مات همًّا”:
أما عن قصة مثل “من راقب الناس مات همًّا”، فيُحكى أنه كانت هناك عائلة صغيرة مكونة من رجل و زوجته يقطنان في منزل صغير، ثم إنهما اضطـرا للانتقال إلى منزل جديد لعل ظروف معيشتهم و أحوالهـم تتغيـر، وبعد أن انتقلوا إلى المنزل الجديد، وفي صبيحة اليوم الأول، بينما كانا يتناولان وجبة الإفطار، قالت الزوجة لزوجها، و هي تشير من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما: انظـر يا عزيزي، إن غسيل جارتنا ليس نظيفًا، لا بد أنها تشتري مسحوق غسيل رخيص.
دأبت الزوجة على أن تلقي نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشـر فيها الغسيل، و بعـد مدة ليست بالقليلة، شعرت الزوجة بالاندهاش عندما رأت الغسيل يشعّ نظـافة على حبال جارتها، و قالت لزوجـها: انظـر لقد تعلمت جارتنا أخيرًا كيف تغسل، فأجابها الزوج: عزيزتي، لقد نهضت مبكـرًا هذا الصباح، و نظفـت زجاج النافذة التي تنظـرين من خـلالها.
العبرة من مثل “من راقب الناس مات همًّا”:
لعل أجمل ما يمكن للإنسان أن يتعلمه من مثل “من راقب الناس مات همًا”، أنه قد تكـون أخطاء الشخص هي التي تجعله يرى أعمال الناس خطأ، فالواجب على المرء أن يصلح عيوبه قبل أن ينتقد عيوب الآخرين، و لا ننسى القول: “من راقـب الناس مات هـمًّا”.