اقرأ في هذا المقال
المستنصر بالله منصور بن محمد الظاهر بأمر لله:
هو منصور، أبو جعفر بن الظاهر بأمر الله ولد من جارية تركية عام (588 هجري). تمَّ مُبايعته بالخلافة بعد موت والده الظاهر بأمر الله في شهر رجب من عام (623 هجري)، فنشر العدل بين الرعية، وبذل الإنصاف في القضايا، وقرّب أهل العلم والدين، وبنى المساجد والمدارس، والمستشفيات وجمع الجيوش لنصرة الإسلام، وأحبّه الناس، وكان ذا شجاعةٍ وإقدامٍ، وقد هَزَمَ جنود التتار في الوقت الذي خافهم البشر.
وكان أخوه شُجاعاً أيضاً لديه همةٍ كبيرةٍ يُقال له الخفاجي، فكان يقول: لئن وُلّيت لأعبرن بالعسكر نهر جيحون، وآخذ البلاد من أيد التتار وأستأصلهم غير أنه لم يتولَّ، وإنما الذي تولى الخلافة بعد المستنصر ابنه عبد الله أبو أحمد المستعصم حيث فيه ضعف مكن للوزراء الذين عملوا على توليته أن يُسيّروا أمور الدولة من دونه.
توفي المستنصر في العاشر من جمادى الآخرة من عام (640 هجري)، فكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة، وكانت خلافته ست عشرة سنة وعشرة أشهر. وكان جميل الصورة، حُسن السريرة، جيد السيرة، كثير الصدقات والبر والصِلات، مُحسناً إلى الرعية بكل ما يقدر عليه. وكان يبني الربُط والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات، وقد عمل بكل محلة من محال بغداد دار ضيافة للفقراء، لا سيما في شهر رمضان.
وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث، وحماماً، ودار طب، ووقف فيها كتباً نفيسة. وكان المستنصر رحمه الله كريماً حليماً رئيساً، متودّداً إلى الناس، وكان جميل الصورة، حسن الأخلاق، بهي المنظر.
المستعصم بالله عبد الله بن منصور المستنصر بالله:
هو عبد الله المستعصم بالله، أبو أحمد بن منصور المستنصر بالله آخر خلفاءبني العباس في بغداد، ولد سنة (609 هجري)، من أم ولد اسمها هاجر، بويع بالخلافة عند وفاة أبيه يوم الجمعة في العاشر من جمادى الآخرة عام (640 هجري). خَرّج له الشرف الدمياطي أربعين حديثاً. أجيز له بالحديث، وأجاز جماعة بالحديث عنه.
كان مُتدين مُتمسك بالسنة كوالده وجده، ولكنه ليس يمتلك الحزامه والشجاعة وكبر الهمة، وكان فيه لين وضعف، وركن إلى الوزير مؤيد الدين العلقمي الرافضي الذي كان يوجه الخليفة بشكل غير صحيح، ويسير به بطريق غير مستقيمة، وقد أطمع التتار بالسير إلى العراق، وأخذ بغداد، ونصح لهم، وإذا جاء خبر عنهم كتمه عن الخليفة على حين كان يخبرهم بأحوال الخليفة وأوضاع البلاد.
وكان يريد أن ينهي على الدولة العباسية ويعمل على إقامة خليفةً من آل علي، وكانت الرسل ينتقلون بين العلقمي والتتار بسبب الخوف، والناس في تنافر عما سيحدث بهم، والخليفة مشوه لا يطّلع على الأمور. كان الخليفة المستنصر والد المستعصم قد استكثر من الجند ليدافع بهم عن دولته، ومع ذلك كان يُصانع التتار، ولكن إذا تعدوا قاتلهم وقهرهم، وعندما جاء المستعصم أشار عليه العلقمي بأن يُقلل من الجند ولا فائدة لهذه الأعداد فوافقه.
كما أشار عليه بمصانعة التتار وإكرامهم، وفي الوقت نفسه كان الوزير يتصل مع التتار، ويُشجّعهم على القدوم إلى العراق، وقام بالطلب منهم أن يكون نائبهم والمقدم عندهم، فوعدوه بذلك، وساروا إلى بغداد، وكان قد استوزره عام (642 هجري)، وكان من قبل أُستاذاً بدار الخلافة فجعل مكانه ابن الجوزي. قُتِلَ المستعصم بالله على يد التتار يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر من سنة (656 هجري).
وقد كان صورته حسنه، وسريرته جيده، وعقيدته صحيحة، مقتدياً بأبيه المستنصر في العدل وكثرة الصدقات وإكرام العلماء والعباد. وكان رحمه الله سُنياً على طريقة السلف، واعتقاد الجماعة، كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ، ومحبة للمال وجمعه. وبمقتله انتهت دولة بني العباس في العراق، فهو آخر خلفاء هذه الدولة، والسابع والثلاثون منهم.