أثر الوزراء السلاجقة في النهوض بالحركة العلمية والأدبية

اقرأ في هذا المقال


أهم إنجازات الوزراء في نهوض الحركة العلمية:

كان للوزير ظهير الدين أبي شجاع الروذ راوري نصيب وافر في النهوض بالحركة العلمية والأدبية، فقد عرف بتعمقه في دراسة العربية، وإلمامه بالأدب، وله مؤلفات أشهرها كتاب (ذيل تجارب الأمم)، كما أنشأ مدرسة ببغداد وجعلها وقفاً على أصحاب الامام الشافعي.

كذلك قام الوزير السلجوقي تاج الملك أبو الغنائم ببناء المدرسة التاجية ببغداد، وجدد بناءها الوزير تاج الدين بن دارست في سنة (541 هجري)، وكانت تعقد في دار هذا الوزير أثناء إقامته ببغداد مجالس علمية يحضرها أئمة الفرق وفقهاؤها للبحث والمناقشة.

ومن وزراء العهد السلجوقي الذين اشتغلوا بدراسة الأدب الوزير عميد الدولة ابن جهير، وله: (ترسل بديع، وتوقيعات وجيزة، وأشعار رقيقة)، وكان كثير الإغداق على العلماء ورجال الأدب، حتى روى أنه مدح بمئة ألف بيت من الشعر، ومدحه عشرة آلاف شاعر.

وكان للوزير أنو شروان بن خالد، اهتمام كبير بالعلم والأدب وله مؤلف تاريخي سماه (صدور زمان الفتور، وفتور زمان الصدور) نقل منه العماد الأصفهاني كثيراً في كتاب (نصرة الفترة وعصرة الفطرة)، الذي أرخ فيه للدولة السلجوقية.

وكان هذا الوزير الفضل في عمل المقامات الحريرية، فلما أطلعه أبو محمد القاسم بن علي الحريري على المقامة الأولى التي صنفها، أعجب بها الوزير أنو شروان، وشجعه على تصنيف مقامات مماثلة لها، فاستجاب له الحريري، وكتب مقاماته التي بلغت الخمسين. ويذكر ابن خلكان أنه شاهد في سنة (656 هجري)، بالقاهرة نسخة من مقامات الحريري بخط الملف، وقد كتب بخطه أيضاً على ظهرها أنه ألفها للوزير جلال الدين أبي علي الحسن بن علي بن صدقة، وزير الخليفة المسترشد بالله.

أما الوزير السلجوقي مؤيد الدين الحسين بن علي الطغرائي، وزير السلطان مسعود،‏ فكان عالماً فاضلاً وشاعراً كاتباً، وله ديوان شعر مشهور، وهو صاحب قصيدة لامية العجم. وقد أهتم هذا الوزير بصناعة الكيمياء وله مصنفات فيها، منها: (كتاب جامع الأسرار، وكتاب تركيب الأنوار، وكتاب مصابيح الحكمة، وكتاب الرد على ابن سيناء في ابطال الكيمياء، وكتاب مفاتيح الرحمة وغيرها).

ولم يأل الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة جهداً في نشر العلم والمعرفة، وكان يقرب أهل العلم، ويحضر مجلسه الفقهاء والأدباء، ورجال الحديث ويناقش كل عالم في تخصصه تعمياً للفائدة وإذكاء لروح البحث والمناظرة. كما عني بإقامة دور العلم، فبنى مدرسة ببغداد ورتب فيها المعلمين، وقرر لهم ما يحتاجون إليه من نفقات.

وصنف هذا الوزير عدداً من المؤلفات في النحو واللغة والعروض منها: (كتاب المقتصد)، وأرجوزة في علم الخط وأخرى في المقصور والممدود، وكتاب (العبادات في الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل). ومن أهم مؤلفات هذا الوزير كتاب (الافصاح عن شرح معاني الصحاح)، ويشتمل على تسعة عشر كتاباً، شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم، وذكر فيه مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة.

ومما يجدر ذكره أنه لمّا عَزَمَ ابن هبيرة على تأليف كتاب (الافصاح) جمع أئمة المذاهب، وأحضرهم إلى بغداد للاستفادة من علمهم، ويقال أنه أنفق على تأليفه مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار، ولمّا فرغ من تصنيفه رتب لدراسته ألفاً وثاثمائة طالب، وجعل لهم مائة وأربعين مُعيداً لتحفيظهم وتفقيههم.

وصارت تلقى دروساً منه في كل مسجد ومدرسة، فإذا حفظ الطلبة ما قرر لهم من دروس الكتاب، ساروا مع معيديهم إلى مجلس الوزير ابن هبيرة، فيستمع لِمَا حفظوه ‏ ويقدم لهم مُكافآت مالية لتشجيعهم على حفظ المزيد منه. وبلغ الاهتمام بتعميم فائدة هذا الكتاب أن نسخت منه عدة نسخ وأرسلت لعدد من الأمراء والوزراء ورجال العلم.

تأثير المدارس التي أنشأها الوزراء على الطلاب:

وتعد المدارس التي أنشأها الوزراء مراكز ثقافية ساعدت على تخريج طبقة مثقفة بثقافة عربية إسلامية، وكان للمدارس النظامية بوجه خاص أثر بالغ في ذيوع المذهب الشافعي وازدهاره إذ كان طلابها مُلزمين بدراسة الفقه على المذهب الشافعي، وكان من الشروط الأساسية للالتحاق بتلك المدارس أن يكون المدرس أو الطالب شافعياً أصلاً وفرعاً. وانتشر طلاب هذه المدارس في كثير من بلاد العالم الإسلامي، وتولوا الوظائف المختلفة وتزايد إقبال الناس على اعتناق المذهب الشافعي إما اقتناعاً به أو طلباً لوظيفة في الدولة.


شارك المقالة: