أصل الخوارج:
تم اشتقاق كلمة الخوارج من الفعل خَرَجَ؛ لأنهم كانوا قد انشقوا عن الخليفة علي بن أبي طالب بعد أن كانوا من جيشه وأنصاره، وكما سموا أنفسهم الشراة؛ أي أنهم اشتروا الآخرة بالحياة الدُنيا، كما أنّه تم إطلاق لقب المحكمة عليهم؛ لأنهم يقولون لا حكم إلا الله، كما أُطلق عليهم لقب الحرورية نسبةً إلى حروراء؛ وهو مكان قريب من الرِّقة على الفرات، ونزلوا فيه بعد أن رجع جيش علي من صفين.
كانت معركة صفين قد أفرزت ها الحزب المعارض، فعندما قام أهل الشام برفع المصاحف على أسنة الحراب، وعملوا على الدعوة إلى تحكيم كتاب الله تعالى، فأدرك علي بن أبي طالب هذه الحيلة ولم يوافق عليها، لكنه كان مجبراً على إعطاء الأمر بإيقاف الحرب وقبول التحكيم، وقام الأشعث بن قيس بفرض نفسه ممثلاً عن علي بن أبي طالب في المفاوضات مع معاوية بن أبي سفيان.
وقام الأشعث بن قيس بتبني الاقتراح الذي طرحه معاوية بن أبي سفيان؛ وهو أن يقوم كل فريق باختيار من يمثله ليقر حكم القرآن الكريم بالشخص الأحق بالخلافة، وعرض ابن الأشعث ذلك الجيش بدون أن يستشير علي بن أبي طالب، كما قاموا باختيار أبا موسى الأشعري دون موافقة علي أيضاً، كما قام أهل الشام باختيار عمرو بن العاص، وقام الطرفان بتحديد دومة الجندل مكاناً للإجتماع فيه في شهر رمضان من عام 34هـ.
وقاموا بكتابة وثيقة بكل التفاصيل ثم قام علي بن أبي طالب بالعودة مع أتباعه إلى العراق، وحدث الانقسام بينهم وتشامتوا وتضاربوا وهم في الطريق وخرج عن جيش علي اثنا عشر ألف جندي ورفضوا العودة معه إلى الكوفة، وذهبوا إلى قرية حروراء وهم يحملون شعار لا حكم إلا الله، أما جنود معاوية بن أبي سفيان عادوا وهم في أشد تماسكهم وتضامنهم واتحادهم.
وكانت نظرة الخوارج بأن تقرير الأمور العامة يجب أن يكون وفقاً لأوامر الله تعالى وما ينهى عنه، ولكن السياسة التي اتبعوها لم تكن موجهة نحو أهداف معينة ليعملوا على تحقيقها، وكانوا يبذلون كل الإمكانات العسكرية التي امتلكوها حتى يحققوا سياسة خلو من كل سياسة للفوز في الجنة.
حركات الخوارج:
كانت الأفكار التي خرج بها الخوارج قد ظهرت بمبالغات عنيفة، فكانوا يعبثون بأرواح الناس وأموالهم، ممّا اضطر علي بن أبي طالب للخروج عليهم، فخطب بهم وطالبهم في العودة إلى صفه وجيشه، فعاد قسم منهم إلى جيش علي ورفض معظمهم ذلك، ولكن دارت الأمور عليهم في معركة النهروان ولم ينجوا منهم إلا فئة قيلية، ومن النتائج الأخرى لمعركة النهروان بأن تفرق الذين نجوا منها وذهبوا إلى عمان وكرمان وسجستان والجزيرة واليمن وقاموا بنشر أفكارهم هناك.
وبعدها قرر الخوارج أن يقوموا بتنفيذ مؤامرة لاغتيال الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص في يوم واحد، وفي عام 40هـ قاموا باغتيال علي بن أبي طالب، ونجا معاوية وعمرو من هذا الاغتيال، وفي عام 41هـ ازداد عداء الخوارج وكرههم إلى الخلافة الأموية؛ لأنهم كانوا يظنون بأن معاوية بن أبي سفيان غاصباً للسلطة، فزادت حركاتهم ضده وكان فروة بن نوفل الأشعبي أول من ثار منهم.
فقام معاوية بن أبي سفيان بالاستعانة بأهل الكوفة لقتال الخوارج فأبلوا بلاءاً حسناً في حربهم حتى هزموا الخوارج، وفي عام 42هـ تجمع الجرحى من معركة النهروان والذين انحازوا عمّن قُتل من النهروان وقرروا أن يحاربوا معاوية، فذهبوا إلى الكوفة وكان المغيرة بن شعبة والياً عليها، وكان الخوارج يتذاكرون أخوانهم في معركة النهروان ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف، وفي جهاد أهل القبلة الأجر والفضل.
وفزع الخوارج إلى ثلاث وهم: المستورد بن علفة التميمي وهو من تيم الرباب، وحيّان بن ظبيان السلمي، ومعاذ بن جوين، وقاموا بالتشاور فيما بينهم واستقروا على أن يكون عليهم المستورد بن علفة، واجتمع الخوارج معه واستعدوا ليوم يخرجون فيه إلى الوالي، ولكن والي الكوفة المغيرة بن شعبة استطاع أن يلقي القبض على المعظم منهم قبل أن ينفذوا الثورة.
ولكن المستورد بن علفة التميمي الذي أطلق عليه الخوارج لقب أمير المؤمنين لم يتم إلقاء القبض عليه، فخرج عن سلطة المغيرة بن شعبة بالعدد الذي تبقى منهم، وبعد العديد من المعارك استطاع المغيرة بأن يقوم بقتل المستورد، كما قُتل معقل بن قيس قائد جيش المغيرة.
كما شَهَرَ الخوارج سيفهم على زياد بن أبيه وبذل قُصارى جهد في حربه ضدهم حتى استطاع إضعاف شوكتهم، وكان عبيد الله بن زياد شديداً أكثر على الخوارج من أبيه، وقام بقتل جماعة صبراً على صبر، ومهم عروة بن أدية أخو مرداس بن أديه، وخرج أخو مرداس ومعه أربعون رجلاً بالأحواز، فأرسل لهم عبيد الله بن زياد جيشاً عدده ألفان وقائدهم ابن حسن التميمي، فانتصر الخوارج، ولكن ما نجح به مرداس لم يأتِ بطائل، فقد عزم عبيد الله بأن يستئصل شأفته ومن يناصره، فأرسل لهم جيشاً بثلائمائة جندي فقتلوه مع الكثير ممن معه وذلك في عام 60هـ.
وفي عام 62هـ ذهبت فرقة من الخوارج بقيادة نجدة بن عامر إلى عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة، وكان الناس يظنون أن نجده يبايع ابن الزبير؛ لأنه كان عندما يأتي عليه يكثر الزيارة، وجاءت فرقة أخرى عند ابن الزبير بزعامة نافع بن الأزرق، وجاء هؤلاء حتى يمنعوا جنود أهل الشام عن مكة، وليعرفوا ما عند ابن الزبير فتناظروا معه واختلفوا عنه؛ لأنه قدم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ولم يتبرأ من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ولم يقم بتكفير أباه وطلحة.
في عام 62هـ انقسم الخوارج لأربعة أفرقة وذلك بعد أن كانوا على رأي واحد، أتباع نافع بن عبد الله بن الأزرق وهم الأزارقة وكانت البصرة مركزاً رئيسياً لهم، أما فرقة النجدات كانت قد اختارت نجده بن عامر رئيساً لهم وكانت اليمامة أهم قواعدهم، وأتباع عبد الله بن صفار هم الصفرية، وعبد الله بن أباض رئيساً لللأباضية.
كانت فرقة الأزارقة تعارض بقية فرق الخوارج؛ لأنها كانت تبيح قتل كل من يخالفها من المسلمين، وكان برأيهم أن المسلم الحقيقي هو الذي ينخرط في سلكهم، أما القاعدون ليسوا مسلمين ويستطيع الخوارج أن يتمكن من استرقاقهم وقتلهم، ثم كفرت الخوارج بعضهم بعض، وقام الأزارقة بالانتقال من البصرة إلى الأحواز، فأقاموا فيها وطردوا عمال الخليفة عنها وجبوا الخراج.
قاد نافع بن عبد الله بن الأزرق حملة من الأحواز إلى البصرة، ولكن أهل البصرة استطاعوا أن يبعدوه وطاردوه حتى وصل مكاناً في الأحواز على نهر دجيل، وهو نهر يفصل بين الحدود، فحدث قتال عنيف انتهى بانتصار الخوارج، ومن الأسباب التي جعلت أهل البصرة ضد الأزارقة وينتخبون المهلب بن أبي صفرة هو تطرف الأزارقة واضطراب التجارة في البصرة.
أسباب انضمام الموالي إلى الخوارج في الأحواز:
وكان ذلك لدوافع قومية وذلك تحت شعار مطالبة المساواة بينهم وبين المسلمين، كما ذُكر أن المهلب بن أبي صفرة هو أول من ضرب الركب من الحديد، كما كان أول من استخدمها بحربه ضد الخوارج، وبعد الخسائر الفادحة التي تلقاها الخوارج رحلوا عن الأحواز وذهبوا إلى الجبال، وقامو بمبايعة الزبير بن علي، وحدثت مناوشات بينهم وبين المهلب على حدود فارس والأحواز.
وعندما استطاع مصعب بن الزبير القضاء على المختار قام المهلب بن أبي صفرة بالإرسال إلى الموصل؛ حتى يقوموا بحماية حدود العراق من أهل الشام، كما قام بخلع المغيرة بن شعبة نائب أبيه على فارس، وقام بتولية عمر بن عبيد الله بن معمر وذلك في بداية عام 68هـ، وبعدها ذهب الخوارج من فارس والأحواز إلى البصرةوبعدها قاموا بتغيير اتجاههم إلى المدائن، فشبَّ الرعب في قلوب الناس.
وكان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة والي الكوفة متثاقلاً عن قتال الخوارج في البداية، ولكنه خرج إليهم فمالوا دون قتال إلى البصرة، ثم ذهبوا إلى ميديا وقاموا بمهاجمة مدينة الري وقاموا بمحاصرة أصفهان، ولكن خسروا الكثير في هجماتهم هذه، كما قُتل قائدهم الزبير بن الماحوز، وقاموا بعدها بمبايعة قطري بن الفجاءه الذي عاد بهم إلى كرمان.
ومن بعدها زحفوا على مرو وأصفهان وبعدها الأحواز، وقاموا بعبور نهر دجيل حتى وصلوا إلى سولاف، وفزع أهل البصرة بعد أن أصبحت مدينتهم مهددة فأرسلوا إلى مصعب يطلبون انجادهم بالمهلب، وبعدها تم الاصطدام مع الخوارج لعدة أشهر عند سولاف، وبعد نهاية معركة مسكن في عام 72هـ بانتصار الخليفة عبد الملك بن مروان وقتل مصعب بن الزبير، كما أخذ المهلب البيعة من الناس لعبد الملك.
قام عبد الملك بن مروان بتعيين ولاة أمويين في الحرب مع الخوارج، فجعل خالد بن عبد الله بن أُسيد والياً على البصرة الذي قام بقيادة حربه مع الأزارقة، واستطاع أن يدفعهم إلى كرمان وبعدها عاد إلى البصرة.