معاوية بن أبي سفيان والقسطنطينية عاصمة الروم:
بعد أن تسلَّم معاوية بن أبي سفيان الخلافة واستقر له الأمر في عام 41هـ بدأ في تطوير الأُسطول البحري؛ حتى يكون بمقدوره تدمير معاقل القسطنطينية عاصمة الروم، والدفاع عن المسلمين وإبعاد خطرهم عن الأراضي الإسلامية، فبعد أن قام معاوية بالقضاء على حركات الرَّدة أو الجراجمة الذين استخدمهم الروم كوسيلة لرصد حركات الدولة الأموية.
فقد قام الجراجمة بإخبار الروم كل ما يخص المسلمين ونقاط ضعفهم، وبعدها عمل الروم على اتخاذ جبل اللكام ومرتفعات طوروس مقراً لجيوشهم، وبإرسال الحملات البحرية الاستطلاعية مثل الحملة الخاصة بفُضالة بن عُبيد الأنصاري تكون بداية الخليفة معاوية بن أبي سفيان بنشاطه الحربي، وذلك للوقوف على تحركات الروم وجلب المعلومات الدقيقة عنهم؛ لمنعهم من استخدام جزر قبرص وأرواد ورودوس.
وكانت تلك الجُزر ذوات خدمة تعبوية عسكرية في عملياتهم ضد الأسطول الإسلامي، وقد بدأ أعماله في الاستطلاع والبحث في إحدى الشواتي وهي شاتية بشر بن أرطأة في البحر في عام 43هـ، ومن بعدها شاتية مالك بن عبد الله في أرض الروم في عام 46هـ، وتليها صائفة عبد الله بي قيس الفزاري بحراً، بالإضافة إلى حملة عقبة بن عامر الجهني في أهل مصر في البحر في عام 48هـ.
كما تلاها صائفة بن عبد الله بن كرز الجبلي، وحملة بن عبد الله بن يزيد بن شجر الرهاوي وشاتيته بأهل الشام في عام 49هـ، وكان نظام الصوائف والشتاوي مستمراً آنذاك، وكانت أهداف معاوية بن أبي سفيان واضحة حينها؛ وهي الضغط على القسطنطينية عاصمة الروم حتى يمهدوا للاستيلاء عليها، وكان الخليفة يرمي لإسقاط الدولة البيزنطية، فكان يعلم أن قوتها وأموالها تتمركز في عاصمتها.
وكانت أفكاره تدور حول الاستيلاء على عصب الدولة البيزنطية وهي عاصمتها القسطنطينية التي تمتلئ بالعقول المفكرة والجيوش العظيمة، وبسقوطها تسقط الدولة كاملة، وأمامه تجربة الجيوش الإسلامية التي خاضوها مع الفُرس، فبعد أن سقطت المدائن عاصمتهم المدائن أصابها الفُرس العلع والارتباك وتسبب ذلك لهم بالفشل، ولم تقم لهم أي قائنة بعد ذلك وتمت إزالة دولتهم.
وبالتالي إذا استطاع معاوية بن أبي سفيان إسقاط عاصمة البيزنطيين فسيكون ذلك سبباً كافياً لسقوط دولتهم، وستكون راحتهم كبيرة بتدمير العدو الأول للدولة الإسلامية، ولهذا استمر الخليفة بمواصلة الضغط والمحاولة حتى يحقق الهدف الذي يطمح إليه، ولن نبالغ عندما نقول بأن الدولة البيزنطية استمرت بالقاء لمدة ثمان قرون، وكان ذلك يرجع لقوة عاصمتها.
كانت مناعة القسطنطينية وقوة حصونها كافية لأن تحميها من محاولات الأمويين في القضاء عليها، والدليل على ذلك بأان محمد الفاتح عندما فتح القسطنطينية واستولى عليها في عام 857هـ كان بدايةً لسقوط الدولة البيزنطية وزوالها من الوجود.