أهمية علم الاجتماع عند أوجست كونت:
كان كونت يرغب في إصلاح المجتمع، وإنقاذه من مظاهر الفوضى التي تفشت فيه وقد ذهب إلى أن الفلسفة هي وسيلة تساعدنا للوصول إلى غايات عملية في ميادين لا بدّ أن يسبقه تنظيم عقلي للآراء ومنهج للبحث وطرق التفكير، لذلك رأى أن عملية الإصلاح تحتاج لجهود شاقة تنظيمها فلسفة جديدة.
وحينما لاحظ المجتمع وما يسوده في عصره رأى كثيراً من الفوضى العقلية والسياسية والتيارات المتناقضة، لذلك فإن هناك حاجة لوحدة عقلية أو اتفاق عقلي، فهناك الأسلوب العلمي الوضعي الذي صاحب التقدم العلمي والدراسات الكونية والطبيعية والبيولوجية وهناك الأسلوب الميتافيزقي في التفكير، وهو ما يتعلق بظواهر الإنسان والمجتمع.
لذلك رأى أن الأسلوب الأمثل للتغلب على هذا التناقض يتمثل في ثلاثة بدائل هي:
- التوفيق بين التفكير الوضعي، والميتافيزيقي دون تناقض.
- تعميم وحدة المعرفة الوضعية عن طريق تطبيق المنهج الوضعي في دراسة كل ظواهر الكون.
- إخضاع جميع العلوم للمنهج الديني والفلسفي، وجعل منه منهجاً أساسياً في كل العقول.
وقد رأى أنه لا سبيل للتوفيق بين التفكير الوضعي والتفكير الميتافيزيقي؛ ﻷنها متناقضان ﻷن الأول يقوم على المعرفة الحسية الملموسة، والآخر على المعرفة العقلية الفلسفية، أما البديل الثالث وهو القضاء على الطريقة الوضعية وتكريس فهم الظواهر في ضوء الطريقة الدينية والميتافيزيقية، فهو بديل يحقق لنا وحدة المعرفة ولكن لا يمكن تحقيقه عملياً، ﻷننا لا يمكن أن نلغي المكتشفات العلمية التي قامت على أساس المعرفة الوضعية، والاعتماد على هذا الأسلوب يفرض علينا إلغاء الطريقة الوضعية وتجميد المعرفة الإنسانية عند حد معين.
ولما كان هذان البديلان يستحيل تنفيذهما فإنه يبقى أن نجعل التفكير الوضعي منهجاً عاماً، ونقضي على مظاهر التفكير الميتافيزيقي فيما عدا ظواهر المجتمع، وهذه يجب أن نفهمها على أساسين:
- أن تكون هذه الظواهر مستسلمة لقوانين ولا تمشي حسب المصادفات، ففهم الظاهرة الاجتماعية على أصل وضعي يعني البحث عن القوانين التي تحكمها.
- أن يقدر الأفراد الوقوف على هذه القوانين لكي يفهموا الظواهر وفق قوانينها وأوضاعها.
والشرط الأول متحقق بالفعل في الظواهر الاجتماعية، فالمجتمع جزء من الطبيعة الكلية، وهذه الطبيعة تستسلم لقوانين ثابتة، أما الأساس الثاني وهو معرفة الناس لهذه القوانين فهو رهن بتحقق دراسات علمية في هذا المجال، ولن يتحقق ذلك إلا بقيام علم الاجتماع الذي يدرس ظواهر الاجتماع دراسة وضعية تحليلية أو بمعنى، آخر القضاء على الفوضى العقلية والخلقية السائدة، وعلى هذا الأساس فإن لهذا العلم أهمية تفوق سائر العلوم الأخرى؛ ﻷن العلوم الأخرى مجرد تمهيد له، وأن غايات نبيلة، وقد سماه في البداية علم الطبيعة الاجتماعية أو الفيزيقا الاجتماعية، ثم عاد وسماه علم الاجتماع.
وقد عرف الظواهر الطبيعية، والظواهر التي تدرسها العلوم الأخرى ولكنه لم يحدد الظاهرة الاجتماعية أو موضوع دراسة علم الاجتماع؛ ﻷنه في نظره كما قلنا يدرس كل الظواهر التي لا تدرسها العلوم الأخرى.